الفارق بين المترشحين للرئاسية نوعيا وجوهريا
المنصف عاشور
قيس السعيد بات واضحا انه نجح في ان يتلقط اللحظة التاريخية والمتمثلة في استغلال الأزمة العميقة التي تعيشها الديمقراطية التمثيلية و الأحزاب السياسية التقليدية ضمن الأزمة العالمية التي تشهدها الأشكال الكلاسيكية للمشاركة السياسية و تنامي الأشكال الجديدة وغير المألوفة.
كما انه نجح في اقتلاع رمزية تمثيله لطموحات الشباب المهمش والجهات المفقرة و بالشخص الذي تقترن صورته بالاستقامة و نظافة اليد.
إلى هذا الحد نكون قد اعطينا المرشح للدور الثاني من الرئاسية قيس سعيد حقه وان لا ننكر عليه نجاحاته و محاسنه بعيدا عن النظرة التحقيرية او
الدونية و دون بالخصوص إساءة أو ادانة الناخبين الذين اختاروه
ولكن بقي الأهم ، هل استطاع السيد قيس سعيد ان يجعل من هذا التفوق الانتخابي بديلًا ومشروعا للحكم وبرنامج لإدارة موسسة رئاسة الجمهورية وتسيير شؤون الدولة طبعا دايما ضمن صلوحياته الدستورية الجواب إلى حد يوم الناس هذا قطعًا لا
ويمكن القول ان قيس سعيد كان له الفضل في الإشارة الى عمق المشاكل الحقيقية ولكنه لم يفلح في تقديم الأجوبة الصحيحة
وبالتالي فانه من الخطأ الجسيم الاكتفاء فقط بجانب وحيد في شخصيته وفي رمزيتها والبناء عليها والانسياق وراء الدعاية التي لا تتورع في تضخيم و تقديس صورته و التغاضي عن النقائص العديدة في مساره وتجربته و تكوينه وأسلوبه و نظرته للسياسة و المجتمع بشكل عام مما لا يؤهله لاعتلاء سدة الحكم و الارتقاء الى اعلى هرم السلطة.
عنصر اخر يحوم حول قيس السعيد وهو رفضه التباين مع الأحزاب و الجمعيات و الشخصيات التي تتحرك ضمن منظومة الحركات الإسلامية و السلفية والفوضوية و لجان حماية الثورة.
نأتي الان للمترشح الثاني نبيل القروي أكيد انه يختلف جذريًا مع قيس سعيد ولكنهما يشتركان في النقد اللاذع للمنظومة السائدة حكما و معارضة وكل واحد منهما يدعو الى القطيعة مع هذه المنظومة ، كما انهما يشتركان ( ربما لانهما يمثلان تعبيرتين للتيار الشعبوي ) في نقد النخب و تقديس الشعب الكريم و إعطاء الأولوية للقضايا الاجتماعية ولسياسات القرب من المواطن ونبذ الأحزاب التقليدية الكبرى.
بقي انه لا بد من الإقرار ان شخصية نبيل القروي و مساره المهني كرجل أعمال واعلام وكرجل سياسة لا يمكن ان نقول انه لا تشوبه شائبة و قد علقت به عديد التهم و القضايا التي جعلت الكثيرين ينظرون له بعين الريبة، كما أثار سجنه عشية بداية المسار الانتخابي العديد من ردود الأفعال ليتحول سجنه الى “خطر داهم” يحدق بالعملية الانتخابية وبالمسار الديمقراطي عامة..
وفي هذا السياق تعالت منذ دخول البلاد في المرحلة الانتخابية عديد الأصوات محليًا ودوليًا للمطالبة بإطلاق سراحه وتحقيق شرط تكافؤ الفرص بين المترشحين حتى لا ننال من مصداقية الانتخابات و من صورة تونس.
و بقدر المطالبة بتوفير الظروف الطبيعية للمترشح نبيل القروي ورفع المظلمة التي تعرض اليها بقدر املنا في ان يلتزم بالتعامل الشفاف مع اجهزة الدولة و ان لا يكون مثل ساير التونسيين فوق القانون حتى ولو اعتلى سدة الحكم وان يبقى على ذمة القضاء الى ان تثبت براءته نهائيًا ويرفع كل التباس
إذا ما حصل ذلك وهو ما نتمناه .، بمعنى ان يتمتع كمترشح للرئاسية بحقوقه كاملة مثله مثل قيس سعيد و ان يبت القضاء في الموضوع بكامل الاستقلالية فان تونس هي التي تخرج منتصرة .
يتميز نبيل القروي على قيس سعيد باعتماده على هيكل سياسي متقدم للمشاركة في التشريعية ويرنو الى لعب الأدوار الأولى كما انه يتوفر على حزام من الدعم الرمزي الهام من كفاءات عالية يمكن ان تشكل نواة صلبة لأغلبية برلمانية و حكومية قادرة على الخروج بالبلاد من ازمتها
وفي الأخير يبدو واضحًا ان تونس اليوم أمام تأخر الأحزاب التقليدية يمينا و يسارا تستعد ان يتولى قيادة شؤونها نوعان من الشعبوية الأولى ويمثلها قيس السعيد و الحزام المقدس الإسلامي السلفي وحتى اليساري الراديكالي الذي ينطلق من الحصيلة الهزيلة للحكومات المتعاقبة ومن ضعف النخب للانقضاض على الدولة باسم تغلغل الفساد فيها و تقويض المؤسسات بدعوى عدم تمثيليتها والتلويح بأفكار مستحيلة التطبيق و هو ما يعرض البلاد داخليا و خارجيا للانسداد الآفاق
أما النوع الثاني من الشعبوية ونحن كما ترون لا نعفيه من هذه التسمية لكنه وعلى وجوب قيامه بالمراجعات الضرورية حتى يوكد انخراطه في دولة القانون والمؤسسات ويتصالح اكثر مع النخب بقدر نجاحاته الاجتماعية و الشعبية فانه يبقى متمسكا بمؤسسات الدولة و بمكتسباتها العصرية ولا يطرح نفسه في قطيعة جذرية مع نمط المجتمع التونسي والهوية الوطنية التونسية و هذا ليس بالهين.
Comments