الفخفاخ: البداية الخطأ والطريق الصعب للقصبة
المهدي عبد الجواد
يبدو أن مسلسل “تشكيل” الحكومة لن ينتهي سريعا، مثلما أمل الكثير من التونسيين. و الظاهر حسب المُعطيات الأولية أن طريق الياس الفخفاخ إلى قصر القصبة ليست سالكة تماما، بل ثمة من المقدمات ما يجعلها مسدودة، و في أفضل الحالات، ستكون مجرد زيارة عابرة لن يُعمّر بها طويلا في أروقة القصر. الوقائع التي نُتابعها تُعلن على أكثر من سيناريو بعضه غير مُبشّر، بل مؤذن بفشل قد يقود الى انتخابات سابقة لأوانها، و صار الحديث على انتخابات مُبكرة علنيّا وزاد تقديم كتلة النهضة لمشروع تنقيح القانون الانتخابي في تأكيد ذلك.
- في المشروعية والشرعية:
استهل الفخفاخ، عهدته “التكليفية” بالتذكير، بكونه يستمد “مشروعيته” من شرعية رئيس الجمهورية، معتقدا ان الشعبية الجارفة التي حظي بها الرئيس يُمكن أن تكون متكأ له و ساندا.
و رغم ما في هذه الحجة من وجاهة نظرية، فإنها أثارت مشاكل عديدة، ووضعت عراقيل كبيرة أمام الفخفاخ، كان في غنى عنها.
أول هذه المشاكل، ما أثاره هذا التصريح من حفيظة لدى الأحزاب السياسية، و خاصة الكبرى منها، إذ أن استحضار شرعية الرئيس، تجاوز للانتخابات التشريعية و نتائجها بل عدّه البعض “انقلابا دستوريا”.
و أضاف اعتماد الفخفاخ، للــ “حلف” الانتخابي في الدور الثاني للرئاسية، شرطا محددا للمشاركة في حكومته في حدة هذه الانتقادات. و صار الحديث على تجاوز دستوري أمرا شائعا عند المتابعين للشأن السياسي، و تحول السيد المكلف الى صورة لرئيس وزراء و ليس لرئيس حكومة.
و ذهب البعض الى ان ذلك معارض لجوهر النص الدستوري، الذي تحدث على كون الرئيس “يتشاور” مع القوى السياسية و البرلمانية و لا يفرض عليها مرشحه. زد على ذلك، ما لفّ بترشيح السيد الياس الفخفاخ من جدل، على اعتباره كان مترشحا للرئاسية و زعيما لحزب شارك في التشريعية و لم يفز بأي مقعد.
و كون الفخفاخ صار رئيسا للحكومة يمسّ في العمق الجوهر الأخلاقي للديمقراطية و آلية الانتخاب فيها. فالذوق الانتخابي يفرض عليه ان يكون قوة تجميع و تأليف للقوى البرلمانية و ليس مجرد ممثل شخصي لرئيس الجمهورية.
علما و ان “معسكر” الدور الثثاني المساند لقيس سعيد، كان معسكرا ظرفيا، أملته الظروف الانتخابية، أكثر منه تحالفا على قاعدة، تقارب في البرامج و الرؤى السياسية و حتى الحضارية، فما الذي يجمع حقيقة بين ائتلاف الكرامة و حركة تحيا تونس، أو بين حركة تحيا تونس و حركة الشعب؟ ومن شأن ذلك ان يزيد في حدة المعارضة.
- في تحديد الحلفاء:
اعتمد الفخفاخ الدور الثاني للرئاسة ليجعله معيارا لتحديد القوى و الأحزاب السياسية التي سيشاركها تشكيل حكومته. و قام تبعا لذلك بإقصاء كتلتي قلب تونس و الدستوري الحر منها.
قرار و رغم ما فيه من تجاوز و “هواية” سياسية، خلق له مشاكل، و قلّص من هوامش المناورة. إذ أن هذا التمشّي جعل الرئيس المكلف “رهين” الأحزاب التي اختارها. و هو ما نلاحظه في الأسبوع الثاني من مهلة التكليف.
فحركة النهضة و تحيا تونس، رفضا إقصاء قلب تونس، و ثمة في الكواليس أحاديث على لقاءات و تنسيق بين الكتل الثلاث. و مثلهما حركة الشعب الرافضة لكل تمش إقصائي، و بدرجة اقل التيار الديمقراطي الذي صرح انه لا يرى مانعا في مشاركة قلب تونس، و يُضاف إلى كل هؤلاء الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي صرح أمينه العام على هامش اجتماع له في القصرين عن “ضيق الاتحاد بكل عملية اقصائية”.
و يقتضي الذوق السياسي العام، و الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون المصلحة العليا للوطن شعارها، و الإنقاذ الاقتصادي و المالي هدفها، و الإصلاحات الكبرى آليتها.
و لا نعتقد ان إقصاء الكتلة الثانية في البرلمان سيُساعد على ذلك. و صار الفخفاخ يتحرك على “حافة الهاوية” إذ ان الحزام الذي اختاره، و رغم انه غير مضمون عند التصويت على منح الثقة، فانه مجتمعا لا يشكّل الأغلبية العددية المطلوبة لمرور الحكومة. كما ان هذا الاختيار قام على “حرج” أخلاقي، فكيف يستدعي الياس الفخفاخ إتلاف الكرامة الذي يتكون من الكثير من العناصر المتطرفة و المشهورة بمواقفها التكفيرية، و يرفض استدعاء حزب قلب تونس ذي المرجعية المدنية و الديمقراطية.
لقد فشل الحبيب الجملي في ضمان أغلبية تسمح لحكومته بنيل الثقة، وهو الذي راهن على إقصاء قلب تونس، وها أن السيد الياس الفخفاخ يحتذي نفس السلوك السياسي، غير آبه بمخاطر ذلك. فنفس المقدمات تقود ضرورة إلى نفس النتائج.
لقد فوّت الياس الفخفاخ على نفسه الشروع في مرحلة المشاورات لتشكيل الحكومة بطريقة سلسة، و أثار جدلا كان في غنى عنه. و رغم الصعوبات التي تعترضه، فانه مطالب بمراجعة منهجية تشكيل الحكومة، بشكل يزيد في توفير ضمانات نجاح الحكومة في نيل الثقة و في ضمان استمراريتها.
فالحكومة يجب ان تكون معبرة حقيقة على تنوع التمثيلية الحزبية و البرلمانية، لأنها مطالبة في كل الحالات بنيل ثقة النواب. و الحديث على حكومة الرئيس يدخل في باب “المجاز الدستوري” أكثر منه في الواقع السياسي.
Comments