“الفخفاخ غايت” .. الاستقالة أو الهروب الى الأمام ؟
منذر بالضيافي
يبدو أن الخناق يشتد حول رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، وأن أيامه في القصبة أصبحت معدودة، وذلك على خلفية الاتهامات التي وجهت له، حول “شبهات” تضارب مصالح ، في علاقة بامتلاكه لأسهم في شركات بيئة، استفادت من صفقات مع الدولة التونسية.
وأمام ارتباك ساكن القصبة والفريق الذي من حوله، سواء أثناء الظهور التلفزي أو خلال الجلسة العامة البرلمانية، التي تم خلالها كشف العديد من التفاصيل والخبايا، من قبل عدد من النواب ، في لهجة فيها تحدي لرئيس الحكومة، وتهديد بمواجهته بالوثائق والقرائن.
لتخرج بذلك القضية للعلن، ودون مبالغة تحولت الى قضية رأي عام، وزادت في حرارة المشهد السياسي والاعلامي، ليتحول “الضغط” من قصر باردو (أساسا رئيسه راشد الغنوشي) الى قصر القصبة، في ملف يعد بمثابة “الأصل التجاري” لحكومة الفخفاخ، التي رفعت لواء محاربة الفساد واستعادة قيم الثورة، لعل هذا ما يفسر الارتباك الاتصالي والسياسي لفريق القصبة، وللحزام السياسي للحكومة، ممثلا خاصة في حزب “التيار الديمقراطي”.
لكن، القضية عرفت منعرجا حاسما، مع تصريحات شوقي الطبيب، رئيس هيئة مقاومة الفساد، التي قال فيها وبكل “وضوح” أن: “رئيس الحكومة يعتبر مخالف للقانون و الدستور بسبب عدم تصريحه لتسيير ثلاث شركات خاصة”.
ليبدأ الحديث عن مصير الفخفاخ وحكومته، وسط تواصل تباين في المواقف بين أحزاب الائتلاف الحاكم من جهة، وبقية مكونات المشهد السياسي و كذلك حقوقيين ونخب و جامعيين واعلاميين من جهة أخرى، في حين حافظ الرئيس قيس سعيد، الذي تحسب عليه حكومة الفخفاخ (حكومة الرئيس) على “الصمت”.
برغم حالة التباين التي عليها مكونات الائتلاف الحاكم، فان الأحزاب والكتل المكونة لحكومة الفخفاخ، اختارت التعامل بحذر مع “الأزمة” حتى لا تكتوي بنيرانها، فتصبح مساندة ومباركة للفساد في صورة اثبات الاتهامات الموجهة للفخفاخ.
وهذا ما يفسر حالة الانتظار التي اختارتها أحزاب الحكومة، اذ فضل جميعها انتظار نتائج لجان البحث والتقصي لاتخاذ موقف نهائي، وهو ما عبرت عنه مثلا الكتلة الوطنية اليت أشارت في بيان لها االى أنها “ستبدي موقفها من الحكومة بعد الاطلاع على نتائج التقارير المتعلقة بشبهة تضارب المصالح التي تحوم حول رئيس الحكومة “.
وهو تقريبا ذات الموقف لأحزاب الائتلاف: “النهضة” و”التيار الديمقراطي” و”حركة الشعب”، برغم وجود تباينات جوهرية بينها، تعود لطبيعة أو نوعية العلاقة مع رئيس الحكومة، بين القرب حد التماهي مثلما هو حال التيار الديمقراطي، الذي استمر في الدفاع عن الحكومة ورئيسها، وفي ذلك “مخاطرة” كبرى برصيدها السياسي، الذي بنته خلال السنوات الأخيرة، والمستند على سردية “مقاومة الفساد”.
في حين فان حركة النهضة مثلا، قد اختارت موقف أكثر “براغماتية” يتمثل في “الجلوس على الربوة”، في انتظار الكشف عن “تورط” الفخفاخ من عدمه، وهنا نشير الى أن النهضة لا تريد التعجيل بإسقاط الفخفاخ، أو الظهور في صورة الحزب، الذي يعمل على توظيف “الفخفاخ غايت”، للتخلص من رئيس حكومة “عنيد” وغير منسجم معها ومحسوب على “غريمها” ساكن قرطاج (قيس سعيد)، وذلك من أجل المحافظة على صورة الحزب المحافظ على الاستقرار السياسي والحكومي، خصوصا في سياق اقتصادي واجتماعي صعب وينذر بالذهاب نحو الأسوأ.
أما الرئيس قيس سعيد، فان ما حصل يجعله في موقف اقل ما يقال فيه أنه “محرج”، خصوصا وهو الذي اختار الفخفاخ ودافع على خياراته في تشكيل الحكومة، وجعله مقربا منه ولعل هذا ما جعل المراقبين يرون أن الرجل هو وزير أول في “حكومة الرئيس”، فمنه استمد “شرعيته”، وبالتالي فان الشبهات التي وجهت له، وأيا كان مصير صدقيتها، فمن شأنها أن تمس من “الرصيد الرئاسي”، القائم على شعار مركزي كبير نلخصه في مفردة: “النظافة”.
ولعل هذا ما يجعل الحل أقرب الى أن يكون من داخل مؤسسة الرئاسة، من خلال دفع الفخفاخ الى الاستقالة، لتصحيح وضع أو حالة معنوية تعود لتزكيته من قبل الرئيس، وأيضا – وهو الأهم – استعادة المبادرة، عبر “اعادة التفويض للسلطة التي اقترحته في اشارة الى رئيس الجمهورية قيس سعيد مشددا على ان الفقرة الاخيرة من الفصل 98 من الدستور تمنح رئيس الجمهورية الحق في اختيار شخصية اخرى لتشكيل الحكومة في صورة استقالة رئيس الحكومة الحالي”، مثلما اشار الى ذلك أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني.
الذي لفت بالمناسبة “الى انه على العكس من ذلك فانه في صورة تمرير لائحة سحب الثقة فان البرلمان هو الذي يقترح شخصية اخرى لتشكيل الحكومة حسب الفصل 97 من الدستور.”.
فهل سيقبل الياس الفخفاخ بتقديم الاستقالة واعادة التفويض الى رئيس الجمهورية؟ أم أنه سيختار “الهروب الى الأمام” مراهنا على صعوبة اتفاق الكتل البرلمانية على اسقاطه وصعوبة التوافق على شخصية بديلة عنه؟
وفي هذه الحالة فانه سيختار البقاء في الحكم في حالة ضعف، فضلا على أنه سيكون قد اختار اعلان القطيعة مع الرئيس قيس سعيد، في اعادة انتاج لسيناريو يذكرنا بسلفه يوسف الشاهد مع الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي،
مع اختلاف أن الشاهد أقدم على ذلك “بتشجيع” و”تحريض” و”دعم” من حركة النهضة، وهو ليس الحال نفسه اليوم مع الفخفاخ، برغم أن السياسة تبقى “فن الممكن”، لكن أوضاع البلاد اليوم لا تتحمل حكومة ضعيفة و “مجرح” في شرعيتها أخلاقيا وسياسيا وأيضا قانونيا.
ولعله في هذا السياق، نفهم رأي استاذ القانون الدستوري سليم اللغماني، الذي قال: ” انه ينبغي على رئيس الحكومة الياس الفخفاخ تقديم استقالته مذكرا بانها تفضي حسب الدستور الى استقالة كامل حكومته”.
وبين اللغماني في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فايسبوك “ان الاستقالة اصبحت موجبة اثر تصريحات رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب معتبرا ان الفخفاخ يعتبر مسؤولا حتى وان لم يتم التصريح بذلك من قبل هيئة قضائية مختصة”.
العقل يقول أن الاستقالة أسلم.
Comments