الفيلسوف الألماني هابرماس: “جائحة كورونا كشفت عن محدودية معرفتنا”
الفيلسوف الألماني هابرماس: “جائحة كورونا كشفت عن محدودية معرفتنا”
** كورونا من منظور فلسفي.. كيف يرى هابرماس هذه اللحظة المفصلية في تاريخ البشرية؟ الفيلسوف الألماني يدعو إلى مزيد من التضامن داخل الأسرة الأوروبية وتهذيب العولمة المتوحشة عبر تقييد النيوليبرالية الجديدة.
تونس- التونسيون
في حوار أجرته معه جريدة “لوموند” الفرنسية، تحدث الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس “منظر الديمقراطية الألمانية” الأول، عن وجهة نظره فيما يتعلق بتداعيات جائحة كورونا وماذا تعنيه لأسلوب تفكيرنا وحياتنا.
ويعد هابرماس أحد أهم فلاسفة العصر وممثلاً للجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت النقدية المدافعين عن أولية العقل ومكتسبات الحداثة وإرث التنوير النقدي وعن الديمقراطية. الذي يعتبر نفسه “إبن التربية الديمقراطية المولودة من رحم أحوال النازية”، اعتبر أن جائحة كورونا تجبرنا أن “نتصرف واضعين نصب أعيننا محدودية معرفتنا”..
ومن وجهة نظر فلسفية، يقول هابرماس حول التفكير في زمن كورونا:
“ألاحظ أن الوباء يفرض اليوم، في نفس الوقت وعلى الجميع، تحديا فكريا كان، حتى الآن، من اختصاص الخبراء: يتعين علينا أن نتصرف واضعين نصب أعيننا محدودية معرفتنا. تبيّن لجميع المواطنين في هذه الأيام كيف يجب على حكوماتهم اتخاذ قرارات واضعة نصب عينيها محدودية معرفة علماء الفيروسات الذين يقدمون لها المشورة. نادرا ما تم فك طلاسم مشهد العمل السياسي المنغمس في عدم اليقين بشكل قطعي. وفيما يبدو سيكون لهذه التجربة غير العادية في أدنى الحالات أثرها على الوعي العام”.
وفيما يتعلق بالبعد الأخلاقي لهذا الأزمة شدد هابرماس على أنه “وقبل كل شيء، هناك وضعين قد يكون لهما تداعياتهما في علاقة بعدم المساس بالكرامة الإنسانية الذي يضمنه القانون الأساسي الألماني في مادته الأولى على مستوى الفقرة 2: “لكل شخص الحق في الحياة والسلامة الجسدية”.
يتعلق الوضع الأول بما يسمى “الفرز””؛ والثاني باختيار الوقت المناسب لرفع الحجر. إن الخطر الذي يشكله عدم قدرة وحدات العناية المركزة على استقبال الأعداد الهائلة للمرضى في مستشفياتنا – وهو خطر يفترض سيناريوهات طب الكوارث التي لا نلجأ إليها إلا أثناء الحروب. عندما يتم استقبال أعدادا هائلة من المرضى بحيث تعجز الوحدات الاستشفائية عن توفير العلاج الضروري لهم، يضطر الطبيب حتمًا إلى اتخاذ قرار مأساوي، لأنه في جميع الحالات لا أخلاقي.
هذه هي الطريقة التي ينشأ عنها إغراء انتهاك مبدأ المساواة الصارمة في المعاملة بقطع النظر عن الوضع الاجتماعي أو الأصل أو السن، وما إلى ذلك، كأن نضحي بكبار السن من أجل إنقاذ حياة الشباب. وحتى لو وافق المسنون على ذلك يحدوهم في ذلك حس أخلاقي قوامه نكران للذات يثير الإعجاب، فمن هو الطبيب الذي يسمح لنفسه بأن “يقارن” بين “قيمة” حياة شخص و “قيمة” حياة شخص آخر وأن يقرر من يجب أن يحيا ومن يجب أن يموت؟ إن خطاب “القيمة”، المستعار من مجال الاقتصاد، يشجع على القياس الكمي الذي يتم من وجهة نظر الملاحظ. ولكن لا يمكن التعامل مع استقلالية الشخص على هذا النحو: لا يمكن أخذها في الاعتبار إلا انطلاقا من منظور آخر، حين نكون وجها لوجها مع هذا الشخص.
ومن ناحية أخرى، تُبين الأخلاقيات الطبية عن توافقها مع الدستور وتلبي مبدأ ليس ثمة ما يبرر “اختيار” حياة إنسان بدل حياة إنسان آخر. وفي الواقع، يملي الدستور على الطبيب، في الحالات التي تسمح فقط باتخاذ قرارات مأساوية، أن يستند حصريًا إلى المؤشرات الطبية التي تؤيد فرص نجاح العلاج السريري المعني بنسبة كبيرة.
مقاومةالاغراء النفعي واحياء روح اوروبا
وعلى الصعيد السياسي طالب هابرماس الحكومة الألمانية ودول شمال أوروبا الغنية بمساعدة دول الجنوب الأوروبية المتضررة من كارثة كورونا، خاصة إيطاليا وإسبانيا، وتغيير نهجها فيما يتعلق بسندات كورونا الكفيلة بحماية اقتصادات اسبانيا وفرنسا وإيطاليا من ضغوط مضاربة الأسواق المالية.
هابرماس شدد على أنه حاليا لا يوجد بديل واقعي لسندات كورونا إذا أردنا إنقاذ اليورو وانقاذ مشروع الوحدة الأوروبية، لأنه نواة الاتحاد الأوروبي الأساسية.
وفيما يتعلق باحتمال تحول حالة الطوارئ وتقييد الحريات الأساسية في إطار إجراءات مكافحة كورونا إلى قاعدة ديمقراطية، نبّه ايورغن هابرماس إلى أن تقييد عدد كبير من حقوق الحرية المهمة يجب أن يظل مرتبا لمدة محدودة جدا، ولكنه إجراء مطلوب كأولوية للوصول للحق الأساسي في الحياة والسلامة الجسدية، وإن كان البعض قد يستغله لغايات سياسية شعبوية تضر بمصداقية النظام السياسي.
*المصادر: لوموند، مجلة حكمة وصحيفة فرانفورار روند شاو الألمانية
موقع “قنطرة”:
Comments