الكورونا والاقتصاد التونسي: تداعيات على اكثر من صعيد وفي مقدمتها المالية العمومية والتشغيل
التونسيون- /وات/
في مقابلة مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء حول الوضع الإقتصادي و المالي الناجم عن أزمة الكورونا، قال الخبير الاقتصادي والوزير السابق محسن حسن ان تراجع النمو المتوقع في تونس، ستكون له تداعيات على اكثر من صعيد وفي مقدمتها المالية العمومية والتشغيل”.
وشدد على “أن الأزمة ستتسبب جائحة في تقهقر نمو الاقتصاد التونسي خلال هذا العام، حسب ما أكده صندوق النقد الدولي، الذي توقع انكماشا في نسبة النمو بـ3ر4 بالمائة، لتعيش تونس بذلك أسوأ ركود اقتصادي منذ الاستقلال، ستكون له ” تداعيات على اكثر من صعيد في مقدمتها المالية العمومية والتشغيل”.
و توقع الخبير الاقتصادي، ان تشهد موارد الدولة الذاتية، في ظل هذا الوضع الصعب، تراجعا حادا جراء تقلص الموارد الجبائية مقابل ارتفاع نفقات الدولة لضمان تدخلاتها الاجتماعية والاقتصادية وأكد حسن، في تصريح لـ(وات)، ان هذه الوضعية ستؤدي إلى تفاقم العجز العمومي والعجز الجاري وهو ما سينجر عنه ضغوطات على المالية العمومية وعلى ميزان المدفوعات وبالتالي مزيد من اللجوء الى التداين وتدني قيمة الدينار اضافة الى ارتفاع التأثيرات التضخمية وتدهور المقدرة الشرائية.
كما سيؤدي تراجع النمو الى فقدان عدد هام من مواطن الشغل وما يترتب عن ذلك من زيادة في معدل البطالة وتآكل الطبقة الوسطى وهو ما يهدّد بأزمة اجتماعية خانقة، على حد قوله.
يذكر ان مجلس إدارة البنك المركزي التونسي، توقع تقلّص نمو الاقتصاد الوطني سنة 2020 نتيجة تأثره بانعكاسات وباء كورونا على اداء القطاع السياحي والأنشطة المرتبطة به وخاصة قطاع النقل، إضافة لتأثر القطاع الصناعي بانخفاض الطلب الأجنبي وتعطّل شبكات التزويد الخارجي, ولئن لم يفصح البنك المركزي عن مستوى النمو المتوقع فان صندوق النقد الدولي قد كشف عن تقديراته بانكماش النمو في تونس ب3ر4 بالمائة وسط توقعات مؤسسات التمويل الدولي بتراجع النمو العالمي جرّاء جائحة كوفيد – 19.
واشار الصندوق الى ان “السلطات ملتزمة بمواصلة تطبيق سياسات اقتصادية حذرة واستئناف عملية الضبط المالي بمجرد إستيعاب الأزمة لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وبقاء الدين التونسي في حدود يمكن تحملها”. كما اكد ان “البنك المركزي التونسي ملتزم بتشديد السياسة النقدية إذا ظهرت ضغوط على صعيد سعر الصرف أو التضخم، والامتناع عن إجراء تدخلات كبيرة في سوق الصرف الأجنبي لحماية الاحتياطيات الدولية”.
وفي هذا الاطار وصف، محسن حسن، هذه التوقعات “بالموضوعية” باعتبار تضرّر عديد القطاعات لاسيما منها القطاع السياحي، الذي يمثل مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي في البلاد، حيث وفّر مداخيل ب2مليار يورو الى جانب مساهمته بنسبة 7 بالمائة في اجمالي الناتج المحلي الخام وهو يغطي نسبة 56 بالمائة من العجز التجاري.
كما سيشهد قطاع الصادرات تراجعا، اذ انخفضت قيمة صادرات الصناعات التحويلية في العالم خلال شهر فيفري 2020 ب50 مليار دولار وكذلك قطاع النسيج والمهن الصغرى والصناعات الاستخراجية علاوة على تراجع نمو شركاء تونس الاوروبيين صندوق النقد الدولي يدعو البنك المركزي الى اعتماد حلول تقليدية لمواجهة ركود اقتصادي غير مسبوق
في المقابل، انتقد الخبير الاقتصادي، دعوة صندوق النقد الدولي، البنك المركزي التونسي، الى مواصلة انتهاج سياسة نقدية تقييدية، “اي انه لمواجهة التضخم يقوم البنك المركزي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية”
وقال ان الصندوق قد اوصى البنك المركزي، كذلك، بعدم التدخل على مستوى سوق الصرف لمعالجة سعر الدينار، وهذا يعني ان الصندوق يدعو الى معالجة حالة من الركود غير المسبوق في البلاد بحلول واليات تقليدية في حين ان كل البلدان المتضررة من وباء كوفيد 19 اعتمدت سياسة توسعية عكس ما يدعو اليه صندوق النقد الدولي
وتابع بالقول، ان ما يسترعي الاهتمام، في بلاغ الصندوق اشارته “الى ان الهدف من السياسة النقدية هو استدامة الدين الخارجي” في حين ان الوضع في تونس حاليا يتطلب حلولا اكبر واعمق لمجابهة الظرف الاقتصادي ضرورة الدخول في مفاوضات مع المانحين الدوليين حول تاجيل سداد الديون
واكد الخبير الاقتصادي ان الوضع غير المسبوق الذي تعيشه البلاد، يتطلب الدخول في مفاوضات مع جزء من المانحين، من مؤسسات مالية دولية والتمويل الثنائي وبعض الديون متعددة الأطراف دون اعتبار سندات السوق العالمية، حول تأجيل سداد الاقساط المستوجبة من خدمة الدين لسنة 2020 بما يمكن من مساعدة تونس على مجابهة الظرف الاقتصادي والاجتماعي الطارئ
وشدد على ان الوضع “دقيق ويتطلب سياسة واضحة لتحقيق 4 أهداف على المدى القصير لاسيما منها احتواء الأزمة الصحية والخروج منها بأخف الأضرار مما يتطلب تعبئة عامة لمساعدة الاطار الطبي وشبه الطبي وتوفير المستلزمات للمؤسسات الاستشفائية وكذلك وعي مجتمعي بضرورة التعاطي مع الوباء
ويتمثل الهدف الثاني وفق الخبير في تدخل الدولة على المستوى الاجتماعي من خلال تفعيل دور الدولة الاجتماعي “كمسالة متعلقة بالامن القومي في البلاد
ودعا محسن حسن الى حماية النسيج الاقتصادي خاصة منها المؤسسات الصغرى التي تمثل اغلبية في القطاع، من خلال سياسة تمويلية واضحة واقرار امتيازات جبائية
كما يرى انه يتعين الاستعداد “لما بعد الكورونا” داعيا في هذا السياق كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الى الانطلاق في تجميع خبراء وكفاءات وطنية للتفكير والتخطيط “لما بعد الكورونا
وبخصوص تمويل هذه الاهداف، قال “ان الموارد المالية تتأتى من الموارد الذاتية للدولة المبرمجة في الميزانية وتأجيل بعض الاستثمارات العمومية ومساهمات الأفراد والمؤسسات وكذلك المتأتية من تراجع اسعار المحروقات التي يمكن ان توفر موارد اضافية في حدود 800 مليون دينار، وذلك علاوة على تأجيل سداد الاقساط المستوجبة من بعض الديون
ويمكن تمويل التدخلات الاجتماعية والاقتصادية للدولة، ايضا، عبر التمويل الخارجي حيث يتوقع حصول تونس على تمويلات في شكل هبات و قروض بشروط ميسرة من المؤسسات المالية العالمية على غرار البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الإسلامي وصندوق النقد الدولي، الذي سينطلق في مفاوضات جديدة مع تونس للحصول على قرض جديد
Comments