الماهتما غاندي في عيد ميلاده المائة والخمسين.. تونس وفلسفة "اللاعنف "
خالد شوكات
تحتفل الانسانية هذا الشهر (اكتوبر 2019) بأحد معلّميها الكبار، بالروح العظيمة “غاندي” رائد المقاومة السلمية واحد مؤسسي مدرسة “اللاعنف” في الفلسفة والتفكير والسياسة، والثابت عندي ان الزعيم الهندي الكبير لم يكن “هنديا” فقط، بل كان خلاصة من خلاصات الفكر الإنساني الرائقة وشمعة تضيء المستقبل للبشرية جمعاء، الى جانب شموع أضاءها الأنبياء والأولياء والفلاسفة والمصلحون على مر العصور.
فماذا يمكن ان نستفيد من سيرة المهاتما غاندي تونسيا، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة التي يقطعها وطننا العزيز، خصوصا واننا قد تجاوزنا معركة التحرر من الاستعمار، تلك التي خاضها الزعيم الهندي بطريقة سلمية مختلفة أبهرت العالم بسلميتها ومدنيتها وإنسانيتها؟ ان الدرس الاساسي الذي نحتاجه كتونسيين من فلسفة غاندي هذه الأيام، ان نعمل معاً لإنقاص منسوب “العنف” العالي في حياتنا.
عنف لفظي وعنف نفسي وعنف ايديولوجي وعنف سياسي وأحيانا عنف مادي، يتجلى في أوضح صوره في هذا العالم الافتراضي، الذي نرفع فيه سيوف اللسان وسكاكين الحقد ورماح الكراهية وخناجر التخوين والتفسيق والتكفير وسواها من ادوات توسيع الشرخ المعنوي بين أبناء الشعب الواحد والامة الواحدة.
لقد اغتيل غاندي من قبل احد المتعصّبين الهندوس في جانفي 1948، اي أشهرا قليلة بعد استقلال الهند، وكانت الحجة انه كان بنظر المتطرفين الهندوس منحازا للمسلمين، ولم يكن غاندي في الحقيقة منحازا للمسلمين إنما منحازا للهنود بهندوسهم ومسلميهم وسيخهم وبوذييهم وسواهم.
كان منحازا لإنسانية الهند، مدافعا عن تعدديتها والتعايش السلمي لمكوناتها، راسما طريق مستقبلها المنير..
وقد كتب الله له الشهادة في سبيل هذه القيم التي لا يمكننا الاستغناء عنها.. كان غاندي مؤمنا عظيما بالله ولكنه لم يكن يحمل حقدا على الكفار، وكان غاندي منحازا للفقراء ولكنه لم يكن ناقما على الأغنياء، وكان غاندي معاديا للاستعمار ولكنه لم يكن كارها للغرب.
كان غاندي يعتقد بان التعصُّب مرض يجب مقاومته، وان الكره داء يجب مكافحته، وان العنف بانواعه دليل ضعف والقوّة كلها في تجنُّبه.
فلنكن أقوياء بهجر العنف واعتبار النفس التي بين جنبينا عدّونا الوحيد الذي علينا ان لا نرضخ لإرادته، فالإنسان كما يقول المهاتما، يرتقي درجات الانسانية كلّما انتصر على هوى نفسه.
Comments