” المركزية التونسية ” و عوائق التوازن العلائقي مع الآخر
هشام الحاجي
يمكن القول أن كرة القدم توفر ” مخبرا ” تطغى عليه الكثير من ” العفوية” يمكن أن تغيب في بقية التقنيات التي تستعملها العلوم الإنسانية و خاصة علم الإجتماع لرصد ما يعتمل في المجتمعات من تفاعلات و علاقات و انفعالات .
لا شك أنه يصعب أن تكون هناك حالة من العفوية المطلقة في أي وضعية من وضعيات الحياة الإجتماعية التي تخضع في كل تمظهراتها إلى درجات متفاوتة من عمليات ” الإخراج و التزويق و التنميق ” . و قد برزت خلال ” المونديال” القطري ردود فعل متفاوتة من حيث الحضور و الأهمية في ما يتعلق بعلاقة أداء و حضور ” نسور قرطاج ” بانتماء تونس إلى الفضائين العربي و الإسلامي.
انتشر خطاب على شبكات التواصل الاجتماعي لا يخلو من ” تحقير” للعرب و المسلمين وهذا الخطاب يستعيد الكثير من لاوعي خطاب ” الدولة الوطنية” و ما قام عليه تأكيد الحبيب بورقيبة على ” الأمة التونسية” التي لها ” ميزات ” تتجاوز بها الدول العربية.
هذا الخطاب يعود إلى بعض صفحات تاريخ تونس الثري و الحافل و لكن هذه العودة تعتمد على القطيعة و على ” الانتقاء ” أكثر مما تبحث عن التواصل و عن الاستمرارية لأنها قراءة ” أيديولوجية ” بامتياز . و من علامات ارتباك الوعي بالتاريخ أن خطاب ” الأمة التونسية ” قد وجد في مواجهته خطابا وليد نفس آليات إنتاج الخطاب أي الانتقاء و البحث عن القطيعة و هو ” الخطاب القومي ” .
لا شك أن العشرية الأخيرة قد عمقت درجة اضطراب الوعي لأنها اقحمت تونس في صراعات المحاور عربيا و دوليا و انعكس تساوق هذا الاقحام مع تحكم ” سياسيين حركيين هواة” على مقاليد الأمور إلى انقسام حاد في الرأي العام بين رموز المحاور و إلى حالة من الارباك لعلاقات تونس.و لم تزد العزلة التي فرضها قيس سعيد على تونس و غياب رؤية ديبلوماسية و للعلاقات الدولية لديه الأمر الا تعقيدا.
يضاف إلى ذلك أن تونس قد ابتعدت في العشرية الأخيرة عن منطق الإنجاز و ما يفرضه بالضرورة من احتكام للعقل و انزلقت إلى متاهة الانفعالات و هو انزلاق لم تتجنبه النخب بل أصبحت تقود إليه. و هذا الانزلاق يمنع من التقاط بعض الإشارات الإيجابية التي أتت من مونديال قطر و التي من أهمها أن قطار مصالحات و إعادة نظر في العلاقات بين الدول العربية يمكن أن ينطلق و أن الأيام القادمة قد تأتي بالجديد دون أن نكون مستعدين لذلك .
في ظرف أقل من شهر أضعنا فرصة إنعقاد القمة الفرنكفونية في بلادنا و نضيع هذه الأيام ما توفره كأس العالم لكرة القدم من فرص لأننا نراوح بين العجز سياسيا و المهاترة سياسيا.
Comments