المشهد البرلماني .. “ترذيل” و “عطالة”
هشام الحاجي
من الصعب أن تنجح بعض الشعارات أو التقييمات المتسرعة و الانفعالية في حجب واقع العطالة الذي تعاني منه المؤسسات السياسية في بلادنا و التي هي بصدد التحول إلى أزمة هيكلية و هو ما يجعلنا أمام مخاطر الانزلاق نحو “دولة عاجزة و فاشلة “. الأداء الباهت و ” الشعبوي ” و ” البطيء” لرئاسة الجمهورية ينذر بذلك و ” تخبط ” الحكومة في ” الصراعات المعوية” لمكوناتها يحيل إلى هذه الإمكانية المخيفة. أما مجلس نواب الشعب فإنه قد تحول للأسف إلى ما يشبه التجسيد الحي للفشل على عدة أصعدة.
غالبا ما يسارع البعض لقطع الطريق أمام كل نقد موضوعي لأداء السلطة التشريعية إلى رفع شعارات تعتبر أن مجلس نواب الشعب الحالي يعيش حيوية لم تكن في وارد الإمكان قبل 14جانفي 2011 و أن لاكتساب ردود فعل ديمقراطية وقتا لا بد من المرور به حتى يتطور السلوك و يتعدل.
هذه الاعتراضات التي قد تكون وجيهة في المطلق أخذت الوقائع تفقدها الكثير من وقعها و ” مصداقيتها. ذلك أن عديد “الشوائب ” التي لازمت أداء السلطة التشريعية منذ انتخاب المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011 لم تتقلص بل ظلت حاضرة و ربما ازدادت تضخما.
ازداد سعي بعض أعضاء مجلس نواب الشعب للبحث عن الإثارة و ” المشهدية الفارغة ” على حساب العمل في العمق و ازدادت ظاهرة هدر الوقت و الجهد و إعاقة عمل اللجان و الجلسات العامة باللجوء إلى ” نقاط نظام ” هي في جوهرها “إفساد ” لنظام الجلسات .
وأصبح ” العنف اللفظي ” حاضرا في كل جلسة عامة تقريبا مع مشاهد استعراضية يغيب فيها الحد الأدنى من إحترام المكان و علويته و من إحترام واجب الزمالة و تحول رحاب مجلس نواب الشعب إلى ما يشبه الإجتماعات العامة الطلابية التي تهتم بالسجال و الجدال أكثر من اهتمامها بالفعل و الإنجاز و التي يمكن أن تنزلق في أي لحظة إلى توتر و تبادل للعنف.
أدى البحث عن ” المشهدية ” و “البوز” إلى ابتعاد مجلس نواب الشعب عن دوره الرئيسي في ” صناعة القوانين ” في حين أن الثورة الحقيقية هي في وضع قوانين جديدة في مختلف المجالات بل تجاوز ذلك إلى رفض مثير للتساؤل و في ظرف وجيز لأربعة مشاريع قوانين للتعاون الدولي الثنائي و متعدد الأطراف و ذلك لأسباب متعددة.
و لكن أيضا في إطار رد فعل بعض الكتل البرلمانية على بعضها البعض و هو ما يعني غلبة منطق ” المناكفة ” على منطق الدولة خاصة و أن تواصل هذه النزعة قد يؤدي إلى انزلاق بلادنا إلى عزلة اقتصادية و سياسية لا يمكن إلا أن تزيد في متاعبها الإقتصادية.
أصبح مجلس نواب الشعب ” رهينة ” استقطاب ظاهره سياسي و إيديولوجي و باطنه معركة إلغاء و إقصاء و أدواته خطاب كراهية متبادل لا يمكن في نهاية الأمر إلا أن يكون تشريعا و تبريرا لكل أشكال العنف و قد كانت جلسة البارحة تجسيدا للانزلاق من النقاش الهادئ إلى عدم إحترام الأعمار و المقامات و الاستفزاز المجاني و التهجم على دول تربطنا بها علاقات ديبلوماسية و تشهير بوسائل إعلام أجنبية.
و في ذلك تعريض لعلاقات تونس و أيضا للسلامة الجسدية لمواطني هذه الدول و مراسلي هذه القنوات و الإذاعات لخطر ردود فعل غير مدروسة.
بعض المداخلات التي اعتمدت الخيال الواسع لا يمكن أن لا تكون مدعاة للمساءلة القانونية و البعض الآخر يطرح أكثر من سؤال حول الثقافة السياسية لأصحابها .
الأداء الحالي لمجلس نواب الشعب و إن كان التعميم يخفي تميز عدد كبير من النواب يساهم في تعميق الفجوة بين المواطنين و المؤسسات السياسية و هو ما يضرب الانتقال الديمقراطي في مقتل لأن قوة المؤسسات تكمن في درجة تمثيليتها و يكفي أن نستحضر التراجع السريع في الإقبال على التصويت بين 2011 و 2019 لنرى أن مجلس نواب الشعب قد يتحول إلى ” قوقعة فارغة ” لا صلة لها بالشعب و هو ما يعني في نهاية الأمر تحوله إلى مؤسسة صورية حتى و إن وقع انتخاب أعضائه في انتخابات ديمقراطية.
لا شك أن حالة ” الانفلات ” التي يشكو منها المجلس لم تأت من فراغ و لا يمكن أيضا تفسيرها تفسيرا تأمريا يحيل إلى صراعات أغلبها متخيل بين قوى إقليمية ودولية اتخذت من تونس مجال صراعها.
لنترك إلقاء المسؤولية على الآخرين جانبا و لنقف على بعض سلبيات تجربتنا. فلا يمكن بأي حال بناء ديمقراطية دون قوانين ديمقراطية و خاصة دون ثقافة ديمقراطية و القوانين المنظمة للحياة السياسية خلقت حالة من التشتت الذي تكاد تستحيل معه ممارسة السلطة و ما زال الكثيرون يتعاملون مع المنافس السياسي بمنطق الخصم و العدو الذي “يتعين القضاء عليه ” .
لم يزد القانون الإنتخابي الطين إلا بلة إذ تكفي بضع مئات من الأصوات ليتحول ” مشعوذ ” أو ” مهرج ” إلى عضو مجلس شعب، علاوة على أن انعدام الديمقراطية داخل أغلب الأحزاب السياسية أدى إلى إعتماد منطق الموالاة في إختيار المرشحين.
و حين نضيف إلى ذلك تعمد أغلب الأحزاب أيضا “تصعيد ” أبرز برلمانييها إلى الحكومة نفهم تراجع الأداء و اختفاء البعض وراء شعارات عامة تماما كما يختفي البعض الآخر داخل مجلس نواب الشعب من ” المساءلة القانونية “.
و هو ما يجعل المجلس الذي يفترض فيه الحرص على إحترام القانون منطقة ” تعطيل تطبيق القانون ” و هذا ما قد يفسر ما في سلوك بعض أعضاء مجلس نواب الشعب من صلف و صبيانية و استهتار.
Comments