المشهد التونسي اليوم، بعد عشرية الثورة .. الواقع وسيناريوهات المستقبل
كتب: منذر بالضيافي
لعل السمة الاكثر تجليا بعد 10 سنوات من ثورة 14 جانفي 2011، وبداية مسار انتقالي، اننا انتقلنا من طور الحلم ببناء تجربة ديمقراطية في محيط اقليمي وعربي معادي لفكرة الدمقراطية، الى حالة من الاحباط المجتمعي وحتى لدى النخب السياسية والفكرية التي كانت متحمسة اكثر من غيرها ومنها من تزعم قيادة العشرية المنقضية، اليوم تمر بلادنا بوضع عام سمته “البلوكاج”، تحول معه المسار الذي كان واعدا الى حالة ازمة شاملة ومعقدة، ليصبح مسارا صعبا ومؤلما وبلا أفق.
1/ سياسيا، المكسب او المنجز تقريبا الوحيد، على شكليته، ام افراغه من كل مضمون و اصبح مهددا، و مؤشرات النكوص او الردة بارزة بالعين المجردة.
فعاد الاستقطاب السياسي الذي ينذر بالانزلاق نحو العنف، والذي تغذى من وضعية التأزم في العلاقة بين مراكز القرار السياسي و التشريعي، التي انتهت بتعطيل الدولة ما اثر سلبا على النشاط الاقتصادي وعلى الخدمات الأساسية، فمنذ الاعلان عن نتائج انتخابات 2019 دخلت البلاد في حالة عطالة بسبب استحالة التعايش سواء داخل البرلمان الفسيفسائي او بين رئاسة البرلمان ممثلة زعيم النهضة ومعه الائتلاف الحكومي ورئاسة الجمهورية.
ومع تأزم وتعطل الحياة السياسية وتمدد حالة الحرب الباردة بين ما اصبح يسمى بالرئاسات الثلاث، وهو وضع نقدر انه سوف يستمر لفترة زمنية قد تطول في ظل عجز كل الاطراف عن الحسم، ليستمر الانهيار الاقتصادي الذي رافقه حراك احتجاجي.
وفي غياب الحلول لم تجد السلطة التنفيذية الا الحل الامني في التعاطي مع الغضب الشبابي والمجتمعي، لنشهد هنا بداية عودة دولة الحل الامني التي هي مقدمة للتسلط وحتى الاستبداد السياسي، ولنا امثلة فارقة على هذا في تاريخنا ( انفتاح مزالي و الثلاث سنوات الاولى من انقلاب بن علي) ، قوسين اغلقا بسرعة وعادت “حليمة لعادتها القديمة”، كما يقال وبأكثر عنف، قد يشرع للفوضى.
2/ اقتصاديا، دخلت تونس في انهيار كبير وغير مسبوق، كل المؤشرات حمراء، نسبة الفقر وصلت ٢١ بالمائة ، تضخم في ارتفاع وتوقع انهيار الدينار وبالتالي مزيد من التفقير( نحن نسير على طريق اللبننة في مخرجاتها الاقتصادية ).
3/ اجتماعيا، خميرة الانفجار الاجتماعي ماثلة بقوة، وارهاصاتها برزت في الحراك الاحتجاجي ( شتاء – خريف هذه السنة)، وهو حراك “الجيل الخطأ”، الذي نقدر انه سيتبلور اكثر ويأخذ اشكالا وصورا غير تقليدية وغير متعارف عليها، و سيكون التحكم فيها صعب، بسبب ضمور الوسائط التقليدية ( الاحزاب والمنظمات …فالمجتمع اليوم غير مؤطر )، وتداعيات ازمة الكوفيد 19 التي ستكون باهظه ، بسبب ضعف الدولة وغياب الحلول، وهو ما يرجح مزيد تغليب الحل الامني، ويكون مما تقدم خيار التصادم بين الدولة والمجتمع هو الاقرب و الذي سيكون – في حالة حصوله – اكثر عنف.
4/ دوليا، دخلت تونس في حالة عزلة منذ قدوم الرئيس قيس سعيد ، الذي تحول الى معطل للمسار داخليا و دبلوماسيا، واصبح الغرب الاوروبي والامريكي يميل الى التعاطي مع تونس كمشكلة امنية، في علاقة بالإرهاب والهجرة غير الشرعية، وبالتالي انتهت ” خرافة” رعاية وتعهد نموذج واعد للانتقال الديمقراطي ، الذي اشتغل عليه امريكيا وغربيا، قبل عشر سنوات من الآن .
Comments