المشهد التونسي اليوم: تراجع “السياسي” .. وعودة “النقابي ” و ” الحقوقي” للواجهة !
منذر بالضيافي
ضعف الطبقة السياسية في تونس، الذي كشفت عنه واقعة 25 جويلية 2021 وما بعدها، يعود الى ضعف في التكوين و الثقافة السياسية ( العمق التنظيري )، والذي توارثه الفاعلين السياسيين ، ليكشف اليوم عن عمق الازمة الهيكلية في الثقافة والممارسة و كذلك في التنظم السياسي ( ضعف المكون الحزبي ) في تونس.
فمن أسباب التي تفسر فشل الانتقال الديمقراطي في بلادنا، هو تلك المتصلة بضعف مكونها الحزبي، اذ لا يمكن قيام تجربة ديمقراطية ناجحة دون أحزاب قوية ومسيرة بطريقة ديمقراطية، ولها قيادات وبرامج واضحة، مثلما اشار الى ذلك الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي، الذي وصف الحزب ب “الأمير الحديث”.
ضعف الثقافة السياسية، التي تجلت عبر ضعف هيكلي للمكون الحزبي، برز ذلك اولا: من خلال عجز هذه الطبقة عن تجديد نفسها، بفعل غياب الممارسة الديمقراطية في ادارة وتسيير الكيانات الحزبية، وهيمنة ” الزعامات” و ” المرشد” على هذه الكيانات، التي غالبيتها نخبوي وبلا حاضنة شعبية، باستثناء الحركة الاسلامية ، التي تآكلت جماهريتها بعد ” تهرأة ” تجربة الحكم الفاشلة.
فأحزابنا ، وبعد اكثر من اربعين سنة من التعددية السياسية والحزبية ، بقت تحت تصرف ” المرشد” في الجماعة، و تحت سطوة ونفوذ صاحب الباتيندة في ” الحزب الحديث”.
اما الجانب الثاني: و الذي يبين ازمة الممارسة السياسة في بلادنا، وفي ظل هشاشة وضعف الكيانات الحزبية، فهو فيتمثل في هيمنة البعدين “الحقوقي” و ” النقابي”، على النشاط السياسي و يبرز هذا خاصة في زمن الازمات، التي نعني بها طغيان الجانب السلطوي للنظام ( عشنا ذلك مع بورقيبة، وبن علي وبدأت علامات عودته مع قيس سعيد بعد 25 جويلية 2021).
من أسباب التي تفسر فشل الانتقال الديمقراطي في بلادنا، هو تلك المتصلة بضعف مكونها الحزبي، اذ لا يمكن قيام تجربة ديمقراطية ناجحة دون أحزاب قوية ومسيرة بطريقة ديمقراطية، ولها قيادات وبرامج واضحة، مثلما اشار الى ذلك الفيلسوف الايطالي انطونيو غرامشي، الذي وصف الحزب ب “الأمير الحديث”
ان عجز السياسيين عبر الاحزاب عن ادارة ” المعركة السياسية ” مع السلطة الحاكمة، مرده :
1/ غياب البرامج والحاضنة الشعبية ( انعدام التواصل السياسي مع الناس الا في الزمن الانتخابي)، فهي احزاب بلا قاعدة شعبية، وحتى التيار الاسلامي فانه بصدد فقدان جماهيريته ( تراجع المصوتين له من مليون و نصف سنة 2011 الى اقل من 400 الف سنة 2019).
2/ فشل الاحزاب في الحكم الذي اختلط ايضا ” بسقوط اخلاقي” ( العشرية الاخيرة)، وهذا ما يفسر خيبة الامل الشعبية الكبيرة، التي فسحت المجال للشعبوية.
هذا ما جعلها ( الاحزاب بما في ذلك الاخوان ) في مواجهة ” حكم قيس سعيد”، تعود الى سلوكها القديم/ الجديد، على غرار ما كان في زمن بورقيبة و حكم بن علي. وذلك عبر العودة الى الاحتماء بالواجهة الحقوقية خاصة في مخاطبة الخارج.
اما في الداخل فانها عادت ايضا لاستدعاء المنظمة الشغيلة ( الاتحاد العام التونسي الشغل)، لخوض المعركة السياسية والاجتماعية نيابة وبالوكالة عنها.
في المحصلة، اننا نعيش حالة “موت السياسة”، التي اختزلت وما تزال في الصراع حول السلطة، وحتى القوس الديموقراطي ، الذي فتح في العشرية الاخيرة، لم يمكننا من الخروج من حالة التصحر السياسي، بل زاد في تعميق الازمة، وكشف عن ضعف النخب و الخارطة الحزبية.
Comments