المشهد التونسي: في ظل تمدد الأزمة .. أي دور للمثقفين والحركات الاجتماعية؟
منذر بالضيافي
كل المؤشرات تذهب نحو التأكيد، على أن الأزمة السياسية، لا حل لها في الأفق المنظور، في ظل “تمترس” كل من “قرطاج” و “القصبة”، وراء موقفهما الرافض للحوار وبالتالي للتنازل، أزمة فجرها التحوير الوزاري الأخير، وما صاحبه من رفض الرئيس قيس سعيد، قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستوري، الذي أقصى “وزراء القصر”، وهو ما جعل حكومة المشيشي تتحول الى ما يشبه “حكومة تصريف أعمال”، برز ذلك بوضوح سواء من خلال أدائها “الباهت” و “المرتبك”، أو من خلال طبيعة التعاطي معها، في الداخل والخارج.
وفي الواقع فان جذور العطالة السياسية، التي تعصف بالبلاد، تعود الى تاريخ الاعلان عن نتائج انتخابات 2019 الرئاسية والتشريعية، التي جاءت برئيس من “كوكب اخر” وفق قوله هو، و كذلك وفق حصيلة حكمه، بعد سنة ونصف من وصوله لقصر قرطاج، كما جاءت بمجلس نيابي بتركيبة فسيفسائية، وهو ما جعل من نتائج استحقاقات 2019 “مأزق” لا “فرصة”، ولعل هذا ما يفسر تصاعد الدعوات المطالبة بالذهاب الى انتخابات مبكرة، وهناك من يحصرها في “التشريعية” فقط، وهناك من يذهب الى ضرورة أن تشمل أيضا “الرئاسية”، مستندين الى غياب “شرعية” الأداء، واعتبار الرئيس أصبح معطلا للحل السياسي للخروج من الأزمة.
كما يشهد البرلمان، وهو من أهم المؤسسات الدستورية، في نظامنا السياسي الحالي الأقرب الى النظام البرلماني، حالة شلل مصاحبة لصورة يغلب عليها الترذيل، لا بسبب تشتت الكتل البرلمانية وغياب اغلبية واضحة و وازنة، بل أيضا لسوء الادارة من قبل رئيسه راشد الغنوشي، الذي لا يحظى بالإجماع الضروري لإدارة المؤسسة، فضلا عن افتقاده للكفاءة في الادارة والتسيير، ما جعل عديد النواب – حتى من داخل النهضة – يرون الحل في ترك “الشيخ” رئاسة البرلمان، كمقدمة لحل سياسي شامل، في علاقة بسيناريو كثر الحديث عنه في الفترة الأخيرة، والمتمثل في فرضية الذهاب نحو سحب الثقة من رئيس الجمهورية، برغم غياب المحكمة الدستورية.
يبرز من خلال المشهد السياسي الحالي و في مؤسسات الحكم، أن ما أصبح يعرف ب “الرئاسات الثلاث” ، في حالة يمكن أن نسميها بتوازن الضعف ، ولا واحد منهم له قدرة على حل الازمة التي تعيشها تونس، ما يجعل الحل نبحث عنه من خارج منظومة الحكم العاجزة، سواء عبر حوار وطني على غرار ما حصل في 2013، أو عبر حراك مواطني سلمي ومدني، يفرض تسوية سياسية للإنفاذ الوطني.
كما أن المشهد الحالي، يجعلنا نقر بفشل الاحزاب و السياسيين في ادارة الانتقال الديمقراطي ، الذي انطلق منذ 10 سنوات ، وانزلاق البلاد الى اوضاع كارثية غير مسبوقة ، وبالتالي فان تونس اليوم في حاجة لحركات اجتماعية مؤطرة ، من قبل المثقفين العضويين ( وفق التصور الغرامشي) ، أو ” المثقفين الملتزمين” engagé ممثلين في أنموذج عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو ،الذي قاد الاحتجاجات في باريس ومدن فرنسا وانخرط في النضال العمالي.
على مثقفينا الملتزمين والعضوين، مغادرة دائرة التقوقع، والالتحام بالجماهير وقيادة حراك الانقاذ الوطني. وهنا لابد من تنويع اشكال النضال من الافتراضي ( مواقع التواصل الاجتماعي) الى الساحات وقيادة التحركات، والحرص على سلميتها ، حينها ستكون قادرة – هذه النخب- على لعب دورها التاريخي.
وبالمناسبة، لا بد من الاشارة الى أن من اسباب حالة الموت السياسي، التي تعرفها بلادنا تصدر المشهد من قبل “فاعلين” ، يعيشون حالة ” أمية سياسية”، فاغلبهم لا يفقه ماهية السياسة، ولم يطلع عليها حتى في الكتب، وبلا تجربة سياسية، تعد اكثر من ضرورية لتولي المناصب العليا في الدولة ( رئاسة الجمهورية ، رئاسة الحكومة وايضا الحقائب الوزارية). وهي شروط تعد اكثر من ضرورية في فترات الازمات، التي تتطلب ادارة استثنائية، ففاقد الشيء لا يعطيه، كما هو حال من يدبر ويدير شؤون بلادنا اليوم، وبالتالي فان المتوقع هو ان المشاكل والازمات ستتمدد اكثر ، ما سيجعل الوضع اكثر تعقيدا في المستقبل ، ليزيد في تعميق “فاتورة” الازمة.
وهو ما سيجعل كل السيناريوهات واردة ، بما في ذلك اكثرها كارثية، خصوصا وان الطبقة السياسية الحالية – حكما ومعارضة – تبين انها عاجزة عن التعاطي مع مشاكل ادارة البلاد، لأنها كما سبق وذكرت تعاني من ضعف “بنيوي/ هيكلي”، في التكوين والتجربة السياسية، اي ان عقلها السياسي غير قادر على ابتداع الحلول ، وفهم ما يجري في رحم المجتمع من تحولات ، ولا ما يجري في العالم من تغييرات عميقة، ستعيد تشكيل العالم من جديد، عالم ما بعد الكورونا.
Comments