المشهد الحكومي: أوجاع الرأس الأربعة .. الكورونا، الائتلاف الهش، الرئيسان والفيسبوك
خديجة زروق
يبدو أن حكومة الياس الفخفاخ التي دخلت شهرها الثالث، لن تجد متسعا من الوقت للشروع في تنفيذ “نواياها الطيبة” التي أعلن عليها رئيسها في خطاب طلب الثقة. فقد استمع التونسيون بكثير من الانتباه للمداخلات الأولى لرئيس الحكومة، وارتفع سقف انتظاراتهم منه و من حكومته كثيرا، حيث أظهر الياس الفخفاخ طموحا وشجاعة، وعرض المحاور الكبرى لمشروع حكومته الذي تعتزم تنفيذه، حتى يتحقق الإقلاع الاقتصادي والرخاء الاجتماعي، تقوده رغبة في “التغيير”، وتجاوز وضع سابق يريد الفخفاخ القطيعة معه، أو على الأقل تعديله .
لكن حلول طلائع الفيروس التاجي ببلادنا بداية شهر مارس، أجل ذلك، وجعل كل الجهود و الأحاديث والإجراءات متمركزة على مقاومة الوباء، وعلى إدارة الأزمة التي خلقها… و مع بداية التوجه نحو رفع الحجر الصحي، وعودة الحياة إلى نسقها الطبيعي، ترتفع الأصوات المعارضة للحكومة، ليتخذ بعضُها طابع “التمرّد” المُطالب بإسقاط الحكومة بل والنظام برمته، في ما بات يُعرف باعتصام “باردو2″، و يتواصل البرود “بين القصرين” (قرطاج وباردو)، في نفس الوقت تشتعل الجبهة الداخلية للائتلاف الحاكم، وتزداد الريبة بين التيار و النهضة، وتتصاعد حرب التصريحات بين حركتي النهضة وحركة الشعب، بلغ حدّ التلاسن و السّباب العلني…
الكورونا .. الوجع المربك
رغم كل التعثر الذي شهدته في بداياتها، فان نجاح حكومة الفخفاخ في إدارة أزمة الكورونا بات واضحا. فقد تجنبت تونس إلى حد اللحظة الأسوأ مقارنة بجاراتها شمال المتوسط و جنوبه، بل حتى مقارنة بالدول الشبيهة لها من جهة الإمكانيات. نجاح تونس في تجنب الأسوأ، شمل مجالات عديدة.
أولها الصحّي، فقد برهنت كفاءات الدولة التونسية وخبراؤها على قدرة عالية في احتواء الوباء وانتشار العدوى. مدعومة من السلطة السياسية و على رأسها الياس الفخفاخ، و من كل نساء و رجالات القطاع الصحي، أطباء و ممرضين وإداريين وعملة، تمكنت اللجنة الوطنية لمقاومة الكورونا، التي شكلها رئيس الحكومة، من ضبط مسارات تبدو إلى حد اللحظة ناجحة.
فهذه اللجنة التي تكونت من كفاءات علمية، شملت الهاشمي لوزير مدير معهد باستور و الأستاذ سامي ماجول المختص في أمراض القلب و رئيس قسم القلب في مستشفى الرابطة، والدكتورة إنصاف بن علية المدير العام للمرصد الوطني للأمراض المستجدة و الأستاذ الهادي بوقيلة المختص في علوم المناعة، و أستاذة الفيروسات ريم عبد الملك ، و حنان التويري بن عيسى رئيسة قسم الامراض المعدية في مستشفى الرابطة.
هذه السلطة العلمية البحتة تشكلت بعيدا على “اكراهات” الأحزاب، ولكن تم دعم عملها وتيسير تنفيذ قراراتها بمشاركة وزراء الدفاع والداخلية والمالية والشؤون الاجتماعية والنقل والتكنولوجيا. ونجحت السلطة السياسية في تحقيق الأهداف التي أعلن عليها السيد الياس الفخفاخ ، يوم 22 مارس ” التحكم في انتشار الوباء وإبقاء العدوى في اضعف درجاتها، وذلك لتجنب الذروة و ما قد تخلقه من فوضى و عجز على استقبال المرضى المحتاجين للإنعاش”.
ثانيها اجتماعي، فرغم الفوضى الأولى التي رافقت توزيع الإعانات الاجتماعية على مستحقيها، فان حكومة الفخفاخ استطاعت أن تُحقّق ما وعدت به، و مكنت مئات ألاف العائلات من مساعدات وصلتها مرتين، ونجحت في القسط الثاني في توزيع المساعدات دون مشاكل اكتظاظ تُذكر. وهو ما يعود إلى سرعة استكمال برامج الرقمنة ومشاريع البطاقة الشخصية الذكية و توزيع المساعدات عبر تطبيقات ذكية وعبر الهاتف الجوال و توسيع نقاط التوزيع لتشمل مراكز البريد و فروع البنوك و موزعات السحب الآلي. وهو نجاح نعتقد أن حكومة الفخفاخ ستواصل فيه، من اجل جعل الرقمنة إحدى عناوين المرحلة القادمة، لتسهيل الخدمات و التخفيف في الآجال و خاصة حُسن الحوكمة و مقاومة الفساد.
ثالثها اقتصادي، وننتظر مرور الحكومة إلى تنفيذ الوعود المختلفة والإجراءات المتنوعة للحفاظ على النسيج الاقتصادي والمؤسسات والشركات، حتى تتم المحافظة على مواطن الشغل من جهة، وتوفير شروط الإقلاع الاقتصادي، و ذلك بدفع المؤسسات الاقتصادية لاستئناف النشاط والمنافسة مباشرة بعد رفع الحجر الكلي.
كما ننتظر الاعلان عن خطة الانقاذ الاقتصادي وقدرة الحكومة على تجاوز الارث الذي تركته الحكومات السابقة، خاصة في ما يتعلق بالمالية العمومية، التي تمر بأزمة هيكلية، قد تجعل الحل في الاستمرار في المزيد من التداين.
الائتلاف الحاكم .. الوجع الأصلي
لن يهنأ بال السيد رئيس الحكومة كثيرا، بهذه النجاحات، إذ يُفسدُ عليه “الإخوة الأعداء” في محيطه التمتّع بذلك، وبناء خطة ما بعد الكورونا في أجواء من الاستقرار السياسي. فبعد الامتعاض الشديد الذي عبرت عنه بعض قيادات النهضة من “الصلاحيات الواسعة” التي متع بها السيد رئيس الحكومة وزير الدولة محمد عبو، امتعاض يبدو انه كان علنيا من وزير الدولة الثاني السيد أنور معروف…
اشتعل الصراع علنيا بين حركتي الشعب والنهضة، ووصل إلى المنابر الإعلامية ناهيك عن صفحات التواصل الاجتماعي. فقد بدأ الصراع بمراسلة النائب هيكل المكي لرئيس المجلس راشد الغنوشي، اتهمه فيه بكونه رئيس تنظيم “فرع الإخوان بتونس” وهو ما اعتبره لطفي زيتون “تجاوزا للمقام” و اعتبره نورالدين البحيري، غير لائق و فيه ترذيل “لدور المجاهد راشد الغنوشي”، صفة كتب فيها سالم لبيض نصا طويلا عريضا حول تاريخ الغنوشي وعلاقاته “المُسترابة” مع أكثر من طرف. هذا الصراع نعتقد أن تأثيراته على العمل الحكومي وعلى تضامن الائتلاف الحاكم سيكون كبيرا.
الرئيسان .. الوجع المزمن
لا يبدو أن الفخفاخ سينعم أيضا بالهدوء في علاقة بالرئيسين، قيس سعيد و راشد الغنوشي. فعلاوة على اختلافهما في تصور الحُكم على الياس الفخفاخ، إذ لا ينتمون إلى نفس المرجعية الفكرية أو تصوّر الحُكم و إدارته، فراشد الغنوشي إسلامي محافظ، يُنافسه في ذلك قيس سعيد الذي يُريد أن يكون مثله صوت “المجتمع المحافظ”، مشتركا معه في الرمزيات “السلفية” وقد صار متشبها بعمر ابن الخطاب.
أما الياس الفخفاخ، فهو شاب عصري ينتمي للمدرسة الديمقراطية الاجتماعية العضو في الاشتراكية الدولية. وحتى إن لم يكن لهذه الاختلافات تأثير كبير، فان الصراع بين القصرين (قرطاج وباردو)، سيخلق جوّا متوترا بين رؤوس السلطة التنفيذية و التشريعية، لا نظن انه سيكون مناسبا لعمل الحكومة التي ستجد نفسها مُجبرة على تحمّل تأثير هذا الصراع، و يكفي ان نستحضر تغييب/غياب الغنوشي على اجتماع في قرطاج تناول الملف الليبي، لنعرف أهمية ذلك.
الفايسبوك…. الوجع الدائم
إن اشتداد الاحتقان السياسي بين مختلف مكونات المشهد السياسي و الحزبي، و الشد و الجذب بين بعض المكونات البرلمانية و بعض المنظمات الوطنية، خلق مزاجا عاما متوترا. تُترجمه الحالة التعبيرية على صفحات التواصل الاجتماعي، فقد تحولت صفحات الفايسبوك إلى صفحات للثلب و هتك الأعراض، والتكفير و التهديد.
وصلت إلى دعوات صريحة للتظاهر و التمرد على مؤسسات الدولة و المطالبة بالإطاحة بها. وحتى إن كان تأثير هذه الدعوات إلى الاعتصام بباردو، ضعيفا، فإن وجود متربصين كُثُر بهذه الحكومة أو وزرائها أو مكوناتها الحزبية، من خارج الائتلاف الحاكم او حتى من داخله، سيجعل كل حركة تقوم بها وكل قرار تتخذه محل انتقاد واسع و لاذع…. و إن يتمكن الفخفاخ “من إرضاء طرف فسيُغضب أطرافا.
في الجملة يجد الفخفاخ نفسه في وضع معقّد، بعضه من تأثيرات الكورونا، و بعضه من طبيعة الائتلاف الحاكم الداعم له، وبعضه الآخر يرجع للكثير من الأسباب الموضوعية التي رافقت الانتقال الديمقراطي في تونس منذ بداياته، لعل أهمها ضعف الثقة الجماعية في الحكومات المتعاقبة، وتأخر المنجزات الاقتصادية و سوء الأحوال الاجتماعية، و حالة الريبة العامة بين مختلف المكونات الحزبية و السياسية و الاجتماعية والمهنية.
ينطلق الياس الفخفاخ بفرصة وفرتها له الكورونا، بعد “نجاح” لحد الان على الحكومة البناء عليه في بقية المجالات، و لا نعلم حقّا إلى متى يُمكن أن تتواصل. و لا نعلم مدى استعداد الائتلاف المحيط به، إلى معاودة بناء الثقة بين مكوناته، ومدى رغبته في توفير المناخات السليمة حتى يشرع الجميع في تجاوز تأثيرات الوباء.
Comments