المشهد الحكومي: ائتلاف مفكك .. ورئيسه معزول !
منذر بالضيافي
من أصعب تجارب الحكم تلك التي تكون ائتلافية، وهي تصبح أكثر صعوبة في البلدان التي تفتقد لتقاليد العمل الحزبي والسياسي المشترك، مثلما هو واقع التجربة التونسية، اذ أن كل التجارب “الجبهوية” بين الأحزاب، ومنذ ظهور التعددية الحزبية في بلادنا، منيت بالفشل الذريع، ولا يتوقع أن تشذ تجربة الحكومة الائتلافية الحالية، التي يقودها الياس الفخفاخ عن هذه “القاعدة”.
فأحزاب الائتلاف الأربعة ما يفرقها أكثر مما يجمعها، لذلك من المستحيل أن يتطور التنسيق والتعايش بينها الى بناء “كتلة تاريخية”، تكون قاعدة صلبة للحكم برئاسة رئيس الحكومة الحالي، الياس الفخفاخ، الذي يجد نفسه “معزولا” في صراع أحزاب حكومته، وهو الذي يفتقد لحزب يشد أزره ولكتلة برلمانية تسنده في نظام سياسي أقرب للبرلماني.
لعل استحالة التعايش بين مكونات “حكومتنا العتيدة”، لا تستحق لتأكيدها بل أنها أصبحت معلومة لدى عموم التونسيين بما في ذلك البعيدين عن الاهتمام بالشأن السياسي، خصوصا بعد أن تطورت العلاقة المتوترة بين أحزاب الائتلاف الحاكم، من طور “الحرب الباردة” الى طور نشر الغسيل في الاعلام، بأسلوب ومفردات أقل ما يقال فيها أنها تعبر عن درجة “الصفر سياسة” كما يقال.
تبادل الاتهامات و “التنابز بالألقاب”، بين أحزاب الحكومة يؤذن بفك “الشراكة السياسية” قريبا، فضلا عن كونه خلف المزيد من “خيبة الأمل”، في الطبقة السياسية وخاصة الأحزاب وكذلك مؤسسات الحكم، ولعل أهمها البرلمان الذي تراجعت صورته وشعبيته الى الحد الأدنى.
لكن، أكبر ضحية للقطيعة و “الطلاق بالثلاث”، بين أحزاب الائتلاف، ستكون قطعا حكومة الفخفاخ، الذي يجد رئيسها نفسه في وضعية “العاجز”، عن تجسير الخلافات بين مكونات فريقه والتي اتسعت، ولا نبالغ بالقول أنها وصلت الى نقطة اللاعودة، وليس للرجل “السلطة الاعتبارية”، التي تسمح له على الأقل ب “ترميم” الفتق الحاصل في الفريق، وهو القادم لرئاسة الحكومة من فوق، بل أنه تم فرضه فرضا من قبل رئيس الجمهورية على أحزاب الحكم، خاصة حركة النهضة.
يدرك رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، أن وصوله للقصبة هو أشبه ب “المعجزة السياسية”، كما يدرك أيضا أنه حتى وان استطاع “فرض” بعض شروطه في تشكيل الحكومة، مستفيدا من “شرعية الرئيس” الذي اختاره ليكون “الشخصية الأقدر” لرئاسة الحكومة، أنه يعيش “عزلة سياسية”، دون سند سياسي / حزبي و برلماني، ستزيد في مصاعبه وستجعل منه محل “ابتزاز” من قبل الأحزاب في الحكومة، والكتلة الوازنة في البرلمان، وهذا ما هو بصدد الحصول في واقع الممارسة السياسية اليوم.
اذ نجد صراع بين “جبهة برلمانية” وأخرى “حكومية”، صراع يبدو غريبا وغير مسبوق، اذا ما علمنا أن الحزب الأكبر في الحكومة ( من جهة التمثيلية السياسية) هو الذي يقود “الجبهة البرلمانية”، ونعني هنا طبعا حزب حركة “النهضة”، الذي لا يخفي عدم رضاه عن تركيبة الحكومة وموقعه فيها، ويخطط بالليل والنهار لتوسيعها تحت “يافطة” الدعوة لحكومة “وحدة وطنية”، سيناريو سيمكنه من “قلب الموازين” لصالحه في حكومة الفخفاخ.
تحاول كل أحزاب الائتلاف “الاستفادة” من “عزلة” رئيس الحكومة، الذي جاء للقصبة وهو يجر معه “خيبة” انتخابية مضاعفة، من خلال خسارة حزبه في التشريعية وخسارته هو شخصيا في السباق الرئاسي، ليكون بذلك بلا “شرعية” شعبية تسنده، ولا يضعف السياسي الا فقدان الشعبية، وهي نقطة ضعف كبيرة ستعيق الرجل طيلة فترة وجوده في قصر القصبة.
ولا يمكن تجاوزها أو القفز عليها، حتى لو فكر في بناء كيان حزبي جديد، وتجميع عدد من النواب، في استعادة للسيناريو الذي سبق وأن حصل مع رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، والذي – وكما هو معلوم – انتهى بفشل كبير، فضلا عن كونه مثل تجربة سيئة في مسار العمل السياسي والحزبي في البلاد.
تجربة “حزب الحكومة”، كانت ولا تزال محل اقرار واجماع، على أنها زادت في “ترذيل” الحياة السياسية والفاعلين فيها، خاصة النواب ومناضلي الأحزاب، كما أن اعادة انتاجها لن يكون محل رضا وقبول من الأحزاب التي تشارك في الحكم، بما في ذلك “القريبة” من رئيس الحكومة.
ولعل هذا ما يجعل رئيس الحكومة الحالي، يفكر مائة مرة وأكثر قبل الاقدام على هذه “المقامرة”، في اعادة استنساخ تجربة فاشلة، فالأحزاب الشعبية والديمقراطية، لا تخلق من رحم الحكم، ومن خلال توظيف مؤسسات الدولة وأجهزتها، بل هي لها شروط تاريخية للولادة والنشأة والتطور، اثبتت التجربة التاريخية أنه لا يمكن القفز عليها.
Comments