المشهد السياسي .. الغموض وتوازن الضعف
منذر بالضيافي
إن المتأمل في المشهد السياسي التونسي اليوم، يلاحظ دون أدني شك وجود حالة من الضبابية والغموض، ولد خوف وحيرة مما قد تؤول إليه أوضاع البلاد في المستقبل، وهو ما يكشف عن فشل منظومة الحكم، التي جاءت بها انتخابات 2014، هذه المنظومة التي نلاحظ أنها بصدد التفكك، والصراع بين أجنحتها، تحديدا هنا نشير الى “المواجهة” التي تحولت الى “قطيعة” بين رأسي السلطة التنفيذية، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، هذا الخلاف الذي خرج للعلن، في الاجتماع الاخير لمجلس الامن القومي، من خلال “كلاش” بثته الصفحة الرسمية للرئاسة على فيسبوك وتناقلته كل وسائل الاعلام في الداخل والخارج، والذي خلف موجة من الاستياء، وساهم في مزيد ارباك المجتمع والدولة، هذه الأخيرة (الدولة) التي ضعفت مؤسساتها وأجهزتها، وأصبحت شبه عاجزة عن القيام بوظائفها، ولعل ما حصل في مستشفى الرابطة خير مثال على ما ذهبنا اليه.
قبل أقل من سنة، من نهاية العهدة الانتخابية الحالية، لا يختلف اثنان بكون منظومة الحكم الحالية قد فشلت في تأمين كل انتظارات التونسيين، وان كان جزء من الفشل يعود الى استمرار المرحلة الانتقالية، التي تأتي بعد كل انتفاضة أو ثورة، على غرار ما حصل في تونس، فان المسؤولية الكبيرة تعود للذين تولوا حكم البلاد، أي كامل منظومة الحكم، التي كانت منسجمة من جهة انتماء الرئاسات الثلاث الى نفس الحزب، فضلا عن حصول “توافق” بين “الغريمين” الرئيسيين ما قبل انتخابات أكتوبر 2014، بين التيار الاسلامي ممثلا في حركة “النهضة”، والتيار “الديمقراطي” ( التسمية هنا اجرائية لغاية الفهم) ممثلا في حزب “نداء تونس”، هذا “التوافق” الذي حكم كامل العهد التي نستعد لتوديعها، لكن كان أداؤه “ضعيف” و “ضعيف جدا”، وكل المؤشرات الاقتصادية تدل على ذلك، كما ساهمت التناقضات و التباينات داخل ما يسمى ب “توافق الشيخين” في اضعاف الدولة، وكأن هناك نية مبيته لتفكيكها (دون السقوط في نظرية المؤامرة).
يظهر المشهد السياسي اليوم متسم ب “الغموض”، يبرز هذا من خلال تذرر مراكز صنع القرار، وهذا يفسر بطبيعة النظام السياسي الجديد، الذي لا نبالغ بالقول أنه غير مناسب للحالة التونسية، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية، التي تفترض وجود نظام مركزي قوي وعادل، ينظاف اليه “ضعف” الحكومات التي أوكلت لها مهام ادارة البلاد، والتي نلاحظ أنها تعاني من افتقاد البرنامج /الرؤية، ومن قلة بل حتى انعدام الخبرة والمعرفة بالمجتمع وادارة البلاد، وكذلك حداثة تعاطي غالبتها للنشاط السياسي، دون أن يخفى عنا تنامي وشيوع مراكز النفوذ ولوبيات الضغط والفساد الذي تحول الى ظاهرة تمددت لتشمل كل الأنشطة والقطاعات، التي استطاعت توظيف الدولة لصالحها ولتمر لاحقا لتمارس “التغول” عليها (الدولة)، وتتحول الى متحكم وموجه لصانع القرار. ولعل هذا الوضع جعل المواطن العادي قبل المشتغل بالسياسة يطرح السؤال المركزي التالي: من يحكم البلاد ؟
في ظل هذا الغموض، الذي وصل حد التساؤل عما يحكم البلاد؟. نجد أنه “غموض” يرمي بظلاله على المشهد التونسي، والذي هو في أحد أهم تعبيراته يعود لعجز منظومة الحكم، نجد أن ما يزيد في الحيرة هو غياب بديل سياسي واضح، وأيضا غياب حاضنة شعبية للانتقال السياسي والديمقراطي، وتحوله الى ما يشبه “الترف” عند النخب والطبقة السياسية، تتلهى به سواء في وسائل الاعلام أو في المؤسسات المنتخبة (البرلمان والوزارة والهيئات التي تحولت الى جزر تنشط خارج الدولة بل أنها أصبحت موازية لها). وبالتالي نلاحظ أن الفاعلين السياسيين الرئيسيين في المشهد السياسي الحالي، خاصة في الحكم كلها تتساوى وتتوازن في الضعف وقلة الحيلة، ما يجعل المشهد بلا أفق سياسي واضح للمستقبل، لذلك يتوقع أن نجد عزوف بل مقاطعة للاستحقاقات الانتخابية القادمة، المبرمجة لنهاية السنة، وذلك في ظل ارتفاع منسوب أزمة الثقة، بين الأحزاب السياسية وعموم التونسيين.
لكن، حالة “توازن” الضعف بين الفاعلين السياسيين ونعني هنا الذين هم في الحكم، يقابلها من جهة المعارضة غياب البديل، تجعل المشهد عرضة لإعادة الانتاج مرة أخرى، في الاستحقاقات القادمة.. هذا اذا لم تحصل مفاجأت من “خارج السيستام”؟
Comments