المشهد السياسي المتوتر والحالة الوبائية وخطة الحكومة لما بعد الكورونا … اسئلة تبحث عن أجوبة في الكلمة المتلفزة للياس الفخفاخ
منذر بالضيافي
أعلنت رئاسة الحكومة اليوم الاربعاء 20 ماي 2020 أنّ رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ سيتوجّه اليوم الأربعاء بداية من السادسة مساء بكلمة متلفزة إلى الشعب التونسي ستبث عبر القناة الوطنية.
تأتي كلمة الفخفاخ في ظل سياق مناخ سياسي تغلب عليه كل مظاهر التوتر، وفي تزامن مع تواصل مخاطر انتشار وباء الكورونا، الذي ما زال يمثل خطرا جديا على صحة التونسيين، فضلا عن كونه أربك النشاط الاقتصادي وأدخله في حالة ركود، ستكون لها تداعيات سلبية على نسبة النمو، وبالتالي على الأوضاع الاجتماعية التي تنذر بالذهاب نحو الأسوأ، خاصة مع توقع ارتفاع معدلات البطالة.
من هنا فان “الكلمة المتلفزة” لرئيس الحكومة لا يمكن لها أن تغفل عن تقديم أجوبة لهذه المشاكل المعقدة والمتداخلة ، والتي تضاف اليها “حالة الحكومة”، ونعني بذلك تواصل مظاهر “التفكك” داخل الائتلاف الحكومي.
سيجد الياس الفخفاخ نفسه مضطرا اليوم الى التعريج على المشهد السياسي الذي قد يحظى بترتيب يسبق الحديث عن “الحالة الوبائية” في البلاد، وذلك في ظل تصاعد الحراك السياسي، الذي شغل الرأي العام ووسائل الاعلام أكثر من “الكورونا”، والذي من أبرز عناوينه وجود دعوات تطالب بتغيير النظام السياسي، الذي تحمله مسؤولية الأزمة السياسية وكذلك تعطل اشتغال مؤسسات الدولة، وهي دعوات منها من تبنى أيضا مطلب “اسقاط الحكومة”، معتبرا أنها “حكومة فاشلة” مثلما صرح بذلك رئيس حركة “مشروع تونس” محسن مرزوق منذ يومين.
وهو توتر تزامن مع خروج الصراع بين قصري قرطاج و باردو للعلن، ولم يتم تجاوزه حتى على مائدة الافطار الرمضانية، مثلما أكدت ذلك كلمة الرئيس في الأكاديمية العسكرية في فندق الجديد ساعات قليلة بعد “المأدبة الرمضانية” بقصر قرطاج.
من جهة أخرى، تزامن هذا التوتر السياسي بين أجنحة الحكم، وفي البرلمان حيث يستمر اعتصام رئيسة الحزب الدستور الحر عبير موسي وعدد من نواب كتلة الحرب، احتجاجا على طريقة ومنهجية ادارة رئيس البرلمان راشد الغنوشي لمجلس نواب الشعب، وعلى ما يتهم به من “علاقات خارجية مشبوهة” وفق نواب كتلة الدستوري الحر، والتي يرون أنها تستحق “مساءلة” الغنوشي في جلسة عامة، وهو ما يرفضه ليخلق “توتر” داخل قبة باردو ، تنذر كل المؤشرات على أنه من المرجح أن يأخذ أبعاد ستربك أشغال البرلمان، في ظل تلويح نواب الدستوري الحر بالمرور لأشكال نضالية تصعيدية على غرار اضراب الجوع.
كما يتزامن هذا المناخ السياسي المتوتر مع يروز دعوات الى الاحتجاج ، وتنظيم اعتصام الرحيل 2 أمام قصر باردو ، مقر مجلس نواب الشعب، في اعادة لسيناريو اعتصام باردو 2013 الذي عطل اشغال البرلمان وانتهى بإسقاط حكومة الترويكا الثانية برئاسة القيادي في “النهضة” علي العريض.
ان المشهد السياسي الذي أشرنا الى أبرز سيماته، يمثل عنصر “ارباك” لحكومة الياس الفخفاخ، التي تواجه منذ تسلمها ادارة البلاد أزمة مستجدة وغير مسبوقة فرضها وباء الكورونا ( الكوفي- 19)، خصوصا عندما ينضاف اليها “حالة الائتلاف الحكومي”، الذي يعاني من “التفكك” وغياب “اللحمة” و”الانسجام” و”التضامن” بين مكوناته، وهو ما أقر به رئيس الحكومة في حواره الأخير مع قناة “فرانس 24” وضع ما زال مستمرا، ولعل هذا ما يفسر “الاستغراب” في شكل “اللوم”، الذي توجه به رئيس الحكومة لقادة أحزاب الائتلاف، خلال “الفطور الرمضاني” الذي جمعهم معه مؤخرا، والذي “عاب” فيه على أحزاب الائتلاف عدم مساندتها لقرارات الحكومة، خاصة تلك التي كانت محل جدل مجتمعي واعلامي، مثل تلك التي صاحبت الاجراءات المعلن عنها لفائدة قطاع الاعلام.
بعيدا عن “وجع” المناخ السياسي، فانه ومثلما جاء في البلاغ الذي نشرته رئاسة الحكومة اليوم بصفحتها الرسمية على موقع “فايسبوك” فان كلمة الفخفاخ ستتناول آخر تطورات “الحالة الوبائية” و الوضع الصحي العام بالبلاد، في ظلّ تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحجر الصحي الموجه وقبل الدخول في المرحلة الثانية منها والتي ستنطلق يوم 24 ماي الجاري.
وفي هذا المجال نشير الى أن وضع رئيس الحكومة سيكون “مريح” أكثر، بعد تمكن حكومته من حسن ادارة أزمة الكورونا في المستوي الصحي، وهنا يتوقع أن “ينوه بنجاح تونس في السيطرة على انتشار فيروس كورونا”، ويشيد “بجهود كل الأسلاك وتعاونها لتحقيق هذه النتيجة”.
وهي “نقطة” قوة تحسب لحكومته، هو مطالب بإبرازها وأيضا توظيفها، سواء في الاجابة على النقد الذي يوجه لحكومته بأنها “فاشلة”، والذي وصل حد المطالبة ب “اسقاطها”، أو “توظيف” هذا “الانتصار” في الترويج له في الخارج، من أجل جلب الاستثمارات والدعم لتونس من قبل شركائها التقليديين ( الاتحاد الأوروبي)، أو في مزيد اقناع المؤسسات المالية الدولية، خاصة صندوق النقد الدولي في التعاطي ب “مرونة” أكبر مع الطلبات التونسية، في ظل الصعوبات الكبيرة التي تواجهها المالية العمومية، والتي تفترض مصاحبة كبيرة من الخارج سواء عبر الاستثمارات أو الأشكال الأخري من هيبات وقروض ميسرة.
وهنا ونحن نفتح مرحلة ما بعد الكورونا، تبقى “الكرة في شباك حكومتنا العتيدة”، التي عليها أن تبرهن خاصة من خلالها دبلوماسيتنا، عن قدراتها في توظيف كل امكانيات بلادنا ورصيدها الرمزي والمعنوي، حتى نستطيع أن نحول “الكورونا” من “محنة” الى “فرصة”، وهذا ممكن متى توفرت العزيمة والارادة.
Comments