الجديد

المشهد الليبي: سقوط قاعدة “الوطية” .. هل هي بداية أفول أحلام حفتر ؟

غازي معلى*

بعد الضوء الأخضر من جون بولتن لحفتر باقتحام طرابلس، و ان لزم الأمر السيطرة على كل السلطة في ليبيا، انقلبت المعادلة بعد سنة ، و أعطيت الإشارة الخضراء هذه المرة، لرجل تركيا القوي، رجب طيب أردوغان.

جاء التأكيد بعد المحادثة الهاتفية المهمة التي تمت نهاية الأسبوع بين رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج ووزير الخارجية الامريكي مايكل بومبيو ، والمحادثة الأكثر اهمية بين اردغان وترامب.

هذين المكالمتين يرتقيان الى  إقرار للتسليم  بانتصار حكومة الوفاق بعد هروب قوات حفتر من قاعدة الوطية جنوب غرب طرابلس، هذه ىىالقاعدة الاستراتيجية، التي سيطر عليها المشير منذ 2014 و لكن استقدام المرتزقة الروس إلى هذه القاعدة التي أنشأها الجيش الأمريكي سنة 1942 كانت هي القطرة التي أفاضت الكأس، و شجعت الأمريكان على السماح للجيش التركي بالتدخل و اعادة الامور إلى مجرياتها القديمة.

لكن اقتحام القاعدة من قوات السراج بتلك السهولة و تحت غطاء جوي تركي و السماح ل 1500 عنصر من قوات حفتر من مغادرة القاعدة بأسلحتهم دون مطاردة عسكرية فسره اتباع السراج بالهروب، و قال عنه الناطق باسم حفتر انسحاب تكتيكي لكن كل التبريرات و التفسيرات، لا يمكن ان تلغي ان خسارة قاعدة جوية استراتيجية كالوطية ، هي خسارة سياسية استراتيجية سيكون ما قبلها و ما بعدها، و ستجعل القوى الإقليمية و الدولية تعيد حساباتها بصفة جذرية،  و الانهيارات الأخيرة لقوى حفتر على تخوم طرابلس و تقهقرها إلى ما وراء مدينة ترهونة الاستراتيجية، و تحولها من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع.

و كذلك استهداف منظومات الدفاع الجوي الروسية من قبل الطيران المسير التركي، جعل المشهد السياسي الداخلي الليبي و الإقليمي و الدولي ، يبدأ في التفكير في ما بعد خليفة حفتر، و لكن قبل الخوض في التداعيات السياسية لهزيمة حفتر لمواقع جد مهمة، يبقى السؤال المطروح ما هي ردة فعل القيصر الروسي على الإهانة التي لحقت به بعد عرض ركام فخر صناعته الحربية في شوارع طرابلس؟ هل سيمكن ” حليفه” الوقتي او الصوري بطائرات حربية مقاتلة للرد على هذه الهزيمة؟ كما يسوق أنصار حفتر ام ان رده سيكون اكثر هدوءا؟

الأيام القادمة ستتكفل بالإجابة، و من يشبه التدخل الروسي في سوريا بما هو في ليبيا فهو واهم، فلا الظروف و لا التوازنات و لا أطراف الصراع متشابهة، الأحداث العسكرية و الدبلوماسية الأخيرة اثبتت ان الإدارة الاميركية مازالت متشبثة بالسراح، و تعتبره هو و فريقه و المتحالفين معه عناصر أساسية ممكن يبنى عليها لفترة قادمة اكثر استقرار ، تليها مفاوضات سياسية جديدة، خاصة اذا تمكن وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا باستكمال المسار الامني الطويل و المعقد من ناحية تحييد عدد من الميليشيات و تدجين بعضها حسب الخطة الاميركية المرسومة.

تثبيت ودعم انتصار جماعة السراج يبقى مرتبطا بمستقبل الاتفاقات بيم واشنطن وأردوغان، وهل أن الأمريكان سيطلقون يده في ليبيا وفي قواعدها الحربية الاستراتيجية في المنطقة، واي دور و موقف لدول الجوار للغرب الليبي، فلا يمكن هنا  التغاضي عن الدور الجزائري المستجد و الذي شهد تطورًا ملحوظًا بعد وفاة قائد صالح و العودة إلى الثوابت العسكرية والأمنية الأولى في التعامل مع الملف الليبي، و ما ينعكس مجددًا من تحركات دبلوماسية غير متناغمة و لا متجانسة مع الحلف الإماراتي المصري، و خاصة بعد ان رفع الفيتو في وجه المرشح الجزائري لتولي منصب مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لليبيا.

كما لا يفوتنا الاشارة الى أن نجم حفتر بصدد الأفول بعد الخسائر التي مني بها، وهناك تسريبات عن مواقف ترجح بداية المراجعات في علاقة بمستقبل المشير خليفة حفتر من قبل  حلفائه بالداخل و الخارج.

فالأمر اصبح اكثر تعقيدا بعد فشل الأخير في دخول العاصمة طرابلس لضعف التخطيط و سوء التقدير العسكري، رغم الإمكانيات المادية و السياسية لأشهر طويلة وضعت تحت تصرفه، فشل حفتر في المهمة المناطة بعهدته، والمتمثلة في  دخول طرابلس كجيش ” تحرير ” و انتزاع السلطة من السراج و رفاقه،  لذلك اصبح حفتر و الحلف الداعم له في ورطة و لكن ماذا يمكن ان يقع الان بعد ان تلاشت أحلام المشير على أسوار طرابلس؟

التناقضات داخل تحالف جبهة الوفاق بين من يريد ان يعود حفتر من حيث أتى و بالتالي العودة إلى طاولة الحوار على أسس جديدة،  يمكن لا يكون فيها حفتر طرفًا مباشرًا ، و من يحلم او يجهز للقضاء على حفتر عسكريا و سياسيا و بسط السيطرة على الأراضي الليبية من السلوم إلى راس جدير.

كل هذا يبقى مرتبطا بالقدرة و الرغبة التركية اولا و المخططات الاميركية قبل كل شيء و لكن هل تسمح روسيا و فرنسا بهذا ؟ و بالتالي يفقدا موقعهما في ليبيا و من ورائهم مصر و الامارات بعد مجهودات بذلت منذ 6 سنوات و استثمارات عسكرية و إعلامية فاقت كل التخيلات؟

على جبهة المقابلة اي المنطقة الشرقية، هناك كم هائل من الأسئلة و الغموض بسب التحالفات القبلية و الجهوية المتشابكة والمصالح السياسية و المالية المعقدة، إلى جانب المحافظة على معنويات وارواح المحاربين، من ابناء قبائل الشرق اذا ما تواصل الضغط العسكري، و ما هي المدينة التي ستكون خط دفاع حفتر الأخير اذا ما استمرت قوات الوفاق في إرغامه على الانسحاب. ؟.

و يبقى المعطى المحدد لتطور الأحداث في ليبيا هو كيف سيتصرف الروس، هل سيستمرون في دعم قوات حفتر للاحتفاظ بسيطرته على مناطق تدعمه على طاولة المفاوضات كما تريد وزارة الدفاع او تعقد صفقة شاملة مع تركيا توفر لهم غطاء للمفاوضات كما تريد وزارة الخارجية؟.

لكن بعض الآراء تقول ان اخطر ما قد يتعرض له حفتر،  هو ان تنقل روسيا دعمها الى أنصار القذافي مباشرة و علنًا،  و الذين يمثلون منذ البداية الورقة الحقيقية للروس و حصانهم الرابح  الذي أخفوه ، و بالتالي يكون حفتر عند الروس مجرد اداة لدخول طرابلس و لم يكن خيارا سياسيا ؟ .

*متابع للحراك الليبي

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP