المطبّات الدستورية والحلّ السّياسي
الهاشمي نويرة
دخلت تونس مرحلة حاسمة وحرجة وهي الآن تقف على مشارف بركان قد ينفجر في أيّ لحظة ، وذلك نتيجة سلوكيات سياسية قادت وتقود البلاد إلى الهاوية .
ويبدو أنّ دقّة الوضع تدفع بإتّجاه التصديق على حكومة إلياس الفخفاخ وذلك إتّقاء لسيناريوهات تفتح على مجهول سيفلت من أيدي جميع الأطراف ، بما في ذلك رئيس الجمهورية الذي يقدّر البعض خَطَأ أنّه مستفيد من مِثْلِ هذه التطوّرات الدراماتيكية.
إنّ الوضع دقيق والحكمة مطلوبة في هكذا أوضاع ، ورغم خيبة الأمل التي تحدونا تجاه “النخبة” السياسية والحزبية فإنّ الحسّ السليم والرغبة في الحياة يفترضان منها المحافظة على بعضِ العقل وبعضِ الوعي وعلى الكثيرِ من الخوف لتحنّب سيناريوهات الموت المؤكّد وجرّ تونس إلى “هفهوف” المجهول .
التشخيص واضح والمشاكل بيّنة والحلول كذلك
وفي حيث أجرته معه “موزاييك” قال الأستاذ سليم اللّغماني ما يجب أن يُقالَ ويُفْعَلَ عن واقعِ الحالِ
– وَضْعٌ سياسي ودستوري غير مسبوق
– حكومة تصريف أعمال تحوّلت واقعا إلى حكومة فعلية وبإختصاصات شاملة
– رئيسٌ تحوّل عمليّا في قضية الحال وفي غياب محكمة دستورية وفِي ضوء شلل مجلس نواب الشّعب إلى الجهة الوحيدة التي تمتلك حقّ وسلطة تأويل النصّ الدستوري ، وهو لذلك قرّر أنّ مجلس النواب لا يمكنه الطّعن في تكليف يوسف الشاهد بتصريف أعمال الحكومة وبالتالي ليس من حقّ نواب الشّعب سحب الثقة من حكومة تصريف الأعمال الحالية وهو قرار لا يمكن الطّعن فيه une décision prise en dernier ressort
ما يعني أنّ رئيس الجمهورية سيرفض أيّ قرار صادر عن مجلس نواب الشّعب بسحب الثّقة من حكومة الشّاهد وتعيين رئيس حكومة جديد .
سليم اللّغماني قال أنّ تأويل رئيس الجمهورية نافذٌ بصرف النظر عن وجاهة وصواب الرأي الذي حرّكه
اللّغماني ذكر أنّه لا يتوافق مع نأويل الرئيس لكنّ ما يراه هو يبقى رأيا أكاديميًا وعلميا مقابل تأويل الرئيس الذي هو في واقع الأمر قرارٌ صادرٌ عن جهة رسمية تمتلك سلطة التأويل .
اللغماني نبّه كذلك إلى مسألة خطيرة جدّا وهي أنّ حلّ البرلمان يكثّف السّلط بين أيدي الرئيس وينقل السلطة التشريعية إلى رئيس الجمهورية ويمارسها هذا الأخير بالتوافق مع رئيس الحكومة (يوسف الشّاهد) وهو الوضع الذي يُغيّر من طبيعة الحكومة ليجعل منها حكومة شاملة المهام زائد مهام تشريعية .
سليم اللّغماني يؤكّد إذن أنّ حكومة الشّاهد لم تَعُدْ في هذه الحالة مجرّد حكومة تصريف أعمال بل هي أضحت حكومة بصلاحيات أشمل من الحكومة العادية .
وما نفهمه من كلام صديقنا وأستاذنا ومرجعنا في تأويل النصّ الدستوري سليم اللّغماني أنّ وضعية نقل مجمل السلطات التشريعية(بإستثناء المادّة الإنتخابية) إلى الرئيس والذي يفرض عليه الدستور ممارستها بالتوافق مع رئيس الحكومة ، يُخرج رئيس الحكومة المكلّف من دائرة تصريف الأعمال إلى ممارسة الحُكْمِ تنفيذا وتشريعا وهو ما يفتح باب الطّعن في قرار الرئيس بتكليف الشّاهد .
المشكل أنّه في غياب محكمة دستورية ،لا وجود لجهة لها صلاحية البتّ في هذه الطعونات .
الحلّ إذن هو سياسي بالضرورة وهو القبول بحكومة الفخفاخ لإنهاء حكومة الشّاهد وإسترجاع مجلس نواب الشّعب للمبادرة السياسية
سليم اللغماني أجاد التّأويل وفسّر المطبّات القانونية والدستورية بما يفتح أعين السّاسة على حقيقة أنّ الحلّ هو في القرار السياسي بإسترجاع البرلمان لزمام المبادرة .
الحلّ كذلك في إستكمال تركيز مؤسّسات الدولة ومنها وتحديدا المحكمة الدستورية لسدّ الفراغات وتحقيق التوازن في المنظومة القانونية والسياسية
الحلّ أيضا في تعديل الدستور لتحديد الصلاحيات ولرسم الحدود بين السلطات الثلاث ولمزيد توضيح طبيعة النظام السياسي ..
الحلّ للأسف هو مرّة أخرى بين أيدي “النّخبة” السياسية والحزبية فإمّا أن تنجو بنفسها وإمّا أن تقود تونس إلى غياهب الظلام والمجهول والطوباوية والشعبوية المقيتة والفوضى .
الصحافة اليوم 20.02.2020
Comments