المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز: النازية والصهيونية والاستعمار تتنكر للأنوار
هاجم المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز العلمانية الغربية قائلا عنها: «إنها أتت في حقبة من التاريخ الأوروبي والغربي لتؤدي وظيفة، أدتها وانتهى أمرها».
وأضاف في أحدث حوارا له : «كانت أوروبا مسرح حروب دينية بين جماعات من معتقدات مختلفة، فجاءت العلمانية لفك الاشتباك بينها، وإخراج الدولة من براثن الحروب الدينية (…) أما اليوم فالديانة الوحيدة التي يعتنقها الغرب هي الرأسمال، وهي الإله الذي يؤمن به، والتعبير عنه هو المصلحة».
«نقد الثقافة الغربية»
وتابع صاحب «نقد الثقافة الغربية»: «التنميط والإرغام وفرض المعايير الوحيدة على كل العالم، هذا هو البرنامج الثقافي والسياسي للمشروع الغربي في حقبته الأمريكية الراهنة، وكل الدعوات التي تتعالى في العقود الأخيرة، نحو بناء نظام عالمي جديد متوازن، والاعتراف بمجالات حضارية أخرى صارت لها مكانتها في المعارف والعلوم والإنتاج الاقتصادي وغيرها، هذه المعركة الكبرى الحقيقية التي علينا أن نخوضها اليوم، لا أن نضيع وقتا طويلا في الحديث عن فكر الغرب وثقافة الغرب».
وقال: «نحن من صرنا حريصين على تراث الأنوار، ونحن الذين جعلناه تراثا إنسانيا، من عرب وصينيين وهنود ولاتينيين، عن قناعة، ولم يبق فقط تراثا أوروبا، لأننا تبنيناه وتشربناه واستوطن نسيجنا الثقافي، وإن تنكروا له ينبغي أن نكون أحرص على التمسك به».
وأضاف الغرب الآن «ليس متمسكا بتراثه، ومنذ بدء حركة الاستعمار في نهاية القرن الثامن عشر، دمّر الغرب كل بنيانه الحضاري وتحوّل إلى عدو لذاته وللعالم، والرأسمالية غيّرت البشرية، هذا الوحش الذي اسمه الرأسمال غيّر كينونة الإنسان، والخيال الإنساني، والذوق الإنساني، والخيارات الإنسانية. لذلك أوروبا والغرب ثمرة للرأسمالية»، ومعنى ذلك أنها جبّت ما قبلها.
يرى الكاتب أن «على أوروبا إنقاذ نفسها»؛ فقد ركبت جنونها وأوهامها بالتفوق، وخاضت معتركا أخذها إلى حتفها؛ الحرب العالمية الأولى والثانية وانتهت، فبعد 1945 انقسمت إلى أوروبا تابعة للاتحاد السوفياتي وأخرى تابعة لأمريكا، ثم قوة واحدة بعد الحرب الباردة، استلحقت أوروبا وحوّلتها إلى هامش؛ فمن الممنوع على أوروبا تشكيل جيش موحد، وجيشها هو حلف شمال الأطلسي، أي الجيش الأمريكي.»
التراث الإنساني
ثم أردف: «أوروبا حكمت على نفسها بهذا الاندحار. والسؤال اليوم هو كيف نستعيد التراث التحرري الأوروبي من هذه التأويلات النيوليبرالية التي تقوم بها المؤسسة الأمريكية ونظائرها في أوروبا، فأوروبا اليوم أيضا ضد تاريخها التحرري في سياسات دولها وحكوماتها، ومواقف نخبها، وخطابات مثقفيها.
كلها تنكرت لهذا الماضي التحرري الذي أعتبره اللحظة الإنسانية الخلّاقة في التراث الأوروبي، التي صارت جزءا من التراث الإنساني، والتي علينا أن نستنقذها لا أن تُترك تحت تصرف مهندسي الخطابات النيوكولونيالية والنيوليبرالية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، أما أوروبا فلا يعنيني أمرها فلتنقذ نفسها أو لتتورط كثيرا». وكشف: «أوروبا التي نتحدث عنها، أي أوروبا الأنوار والإصلاح الديني والعلمانية والديمقراطية والوحدة القومية والنهضة، هي التي أنجبت الاستعمار وكل الوساخات التي وصلت إلى لحظتها القصوى مع النازية والصهيونية والعنصريات المعاصرة، والألمان لا يتحملون وحدهم مسؤولية النازية، بل هي نتاج الحالة العامة التي كان من تجلياتها الاستعمار بالنسبة لفرنسا وبريطانيا.».
ووضّح أن «الاستشراق أول ميدان أنتجته أوروبا عن الشرق كله، من الصين واليابان والهند وكوريا إلى العالم العربي، ويهمنا ميدان الإسلاميات، وقبل بدئه فرض نفسه كميدان دراسي، وهي ظاهرة بدأها الفرنسيون في مطلع القرن التاسع عشر، وبدأ مزودا بجملة من الموارد المعرفية التي لم تكن متاحة في ذلك الإبان للفقهاء أو الكُتّاب العرب والمسلمين، لذلك ظهر تفوقه، الذي كان منهجيا وفي المعرفة بالنصوص.
ورأى أن الاستشراق «ارتضى تقديم السُّخرة الثقافية للمؤسسة الكولونيالية»، و»بعضهم اعتبر أنه يؤدي وظيفة وطنية قومية لصالح بلده، والبعض الآخر كانت الأجندة بالنسبة إليه علمية، للتخصص في دراسة هذا العالَم الآخر المختلِف بعد أن احْتاز الأدوات لدراسته، وأهمها اللسان».
وذكّر بلقزيز أن عبد الرحمن بدوي قد «فتح الباب للجيل الجديد»، الذي بدأ من أنور عبد الملك، وإن كان بعض هذا الجيل درس على أيدي مستشرقين، مثل بدوي وحسن حنفي ومحسن مهدي ومحمد أركون. لكن الآخرين أبناء الثقافتين العربية الإسلامية والغربية، فكانوا يستطيعون التنقل السلس بين الثقافتين، دون الشعور بالنقص، بل يشعرون بأنهم إذ يقاسمون مثقفي الغرب مرجعياتهم ومدوناتهم الفكرية، يتفوقون عليهم بالمعرفة بمجال حضاري آخر لا يعرفه هؤلاء الغربيون، وكان اطلاعهم على المناهج الحديثة أوسع بكثير من جيل طه حسين ومن قبله، مما جعلهم يفتحون مناقشة خصبة وندية».
وختم قائلا: «إدوارد سعيد كان الأعلى قامة وشأنا في كل الفكر الغربي على الإطلاق، وسمير أمين كان سلطة علمية في كل أوروبا، وكذلك جورج قرم ومحمد أركون»، لذلك خاطبوا الغرب «بحسبانهم أندادا لمثقفيه»، لأنهم «يحتازون الأدوات المعرفية التي تسمح لهم بأن يدافعوا عن التراث والحضارة من دون أن يسقطوا في تبجيلها، ومن دون أن يفقدوا حسهم النقدي، ومارسوا نقدا مزدوجا للآخر وللأنا، وهذا ما ميز هذه النخبة».
Comments