النائب العياشي زمال:لا بد من مسار إنقاذ وطني في أسرع وقت
تونس- التونسيون
أجرى الزميل هشام الحاجي لموقع “عربي 360” حوارا مطولا مع النائب العياشي زمال، رئيس لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان. وعاد السيد النائب في حواره على أهم الاحداث السياسية بالبلاد، خاصة منها ما تعلق بتصريحات رئيس الجمهورية الاخيرة بخصوص “القوات الامنية” ومحاولات عزل رئيس مجلس نواب الشعب والعمل الحكومي. غير ان الابرز في هذا الحوار هو ما تعلق برؤية العياشي زمال للخروج من الازمة المتعددة الوجوه التي تعيشها تونس وخاصة الصحية بعد الانتشار الكبير لوباء الكورونا.
ففي معرض حديثه على الازمة السياسية بدا العياشي زمال واضحا في تقييمه لعمل الحكومة إذ أكد “للأسف هذه الحكومة فشلت ولا يُمكن أن تواصل بهذه التشكيلة ولا بهذه الطريقة”
وأضاف ان الحل يكمن في “حكومة إنقاذ وطني تتكوّن من سياسيين.” ورغم اشارته الى “أن الوضع الحالي لا يتحمّل “ترف” الدخول في مسار آخر لتشكيل حكومة جديدة. فدخولنا في مسار تغيير الحكومة قد يستغرق منا أربعة أشهر، ويحتاج الوزراء الجُدُد إلى شهرين أو ثلاث للانطلاق في العمل الفعلي، فهل تتحمّل البلاد وضعية أخرى من الانتظار لمدّة ستة أشهر؟؟” فقد اضاف أنه يعتقد “أننا سنضطرّ للذهاب إلى حكومة إنقاذ سياسية. لكن ذلك وحده غير كاف. لا بد أنْ تكون لهذه الحكومة أهداف واضحة وجدول لانجازها في مدة زمنية مُحدّدة. ولا بد أن تكون نتيجة اتفاق وطني شامل في سياق هُدنة سياسية واجتماعية، فيه مراجعة للقانون الانتخابي ولمراسيم الجمعيات والأحزاب والإعلام وسبر الآراء، ويُمكنُ ان تنتهي الى تحديد لموعد انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.”
هذا المسار المستعجل اشترط السيد النائب ان يكون بالتوازي مع إنصراف “حكومة الإنقاذ على تنفيذ الإصلاحات الكُبرى وإنقاذ المالية العمومية وتجنيب البلاد الإفلاس. على أنْ تكون مدعومة من مختلف القوى السياسية والمنظمات المهنية. لقد جرّبنا كلّ أنواع الحكومات، وصرتُ مؤمنا بكون الاختيار الأمثل لرئاسة الحكومة، هو شخصية سياسية ذات تجربة وإشعاع دولي وتكون لها القُدرة على إدارة الاختلافات بين مُختلف الفُرقاء السياسيين والاجتماعيين”
ولم يكتف العياشي زمال بهذا المقترح السياسي، إذ أرفقه بتصور لمشروع “اقتصادي وطني جامع” ينهض على “تصور تونس 2050” .
وبعد الإشادة بدور القطاع الخاص ورجال الاعمال في تحمل أعباء الوضعية الاقتصادية، في ظل العجز المتنامي للمؤسسات العمومية وفي مناخ “معادي” لرأس المال الوطني ذكر النائب الزمال ان “البيرقراطية في البلاد تُعطّل كل إمكانيات الاستثمار. ليس هناك حرص على الرقمنة، ولا على مراجعة قوانين الصرف ولا سياسة واضحة للتشجيع على التصدير. ثم شباب مُبدع في تونس وهناك مهن جديدة وذات قيمة مُضافة عالية. لا بد من التفاعل الايجابي مع المُتغيّرات التي يعيشها الاقتصاد في العالم. “موش معقول” كل هذا التردّد الذي يفرملُ كل مُحاولات الانطلاق والإبداع.”
ثم أضاف إن “تونس كانت دوما دولة اجتماعية. ولكنها كانت أيضا تُشجّع على الاستثمار الخاص وعلى المُبادرة الحُرّة. هذا يجب أنْ تتمّ ترجمته اليوم عبر سياسات واضحة وإصلاحات جريئة. عهد التواكل والتوكّل على الدولة يجب أنْ ينتهي. على الدولة ضمان القطاعات الإستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي والمرافق العمومية أما القطاعات التنافسية فيجب أنْ تنسحب منها. الدولة اليوم تبيع الزيت والسكر والسجائر!؟.
في تصوري فإن النمط المناسب هو “اقتصاد السوق الاجتماعي”، كل المُواطنين يتمتعون بالصحة والنقل والتعليم اللائق. لهم كل الفُرص وهم مُتساوون فيها.
لا بدّ من الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام والاقتصاد التضامني لأن ذلك سيكون رافعة مهمة للاقتصاد ودعامة لإنجاز المشاريع الكُبرى. لقد منّ الله على تونس بموقعه جغرافي استراتيجي عليها تثمينه والاستثمار فيه. نحن في قلب المتوسّط وقريبون من جنوب أوروبا وباب للمغرب العربي ولإفريقيا. ويُمكن إنْ نكون قاعدة للانطلاق نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية والمغاربية على حد السواء. نحن في موقع مهم جدا لا بد من استغلاله. لتونس أيضا موارد بشرية هائلة، “ثروة ذكاء وكفاءة” وخبرات في التصّرّف، تُمكّنها من أن تكون قوّة جاذبة للاستثمار في التعليم والصحة والتكوين المهني وفي تصدير الكفاءات والمعرفة.
علينا أيضا التفكير منذ الآن في الانتقال الطاقي نحو الطاقات البديلة، ولتونس فرص استثمارية ضخمة يُمكن أنْ تُغيّر وجهها خلال سنوات قليلة.
الفلاحة أيضا هي مستقبل هذه البلاد، ولا بد من التفكير من الآن في معضلة المياه، واستصلاح الأراضي وتوسيع مساحات الأراضي القابلة للزراعة والأراضي السقوية، والشروع في استعمال الوسائل الحديثة وتقنيات الغراسة المُتطوّرة.
كما أنّ التشجيع على الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة، سيكون أمرا حتميا في السنوات القادمة.”
لكن الزمال اشترط لنجاح ذلك اندراج هذه الرؤيا ضمن “مشروع وطني شامل وجامع، يتم فيه إدماج كل الجهات وتحفيز كل القوى الحية وقوة الشغل والشباب، في اتجاه “مشروع وطني” ينظر إلى تونس في أفق سنة 2030 في مرحلة أولى، وفي أفق سنة 2050 في مرحلة ثانية.”
ومثلما أشرنا عاد النائب الى ثلاث محاور شغلت الرأي العام الوطني. فقد ذكر ان رئيس الجمهورية لم يكن موفقا في كلمته بمناسبة عيد الأمن الوطني، في علاقة بالتحويل الدستوري، أذ قال “في اعتقادي هناك ثلاث مستويات يُمكن الانتباه إليها في كلمة السيد الرئيس. المستوى الأول يتعلّق بمناسبة الكلمة، فالعيد الوطني للأمن كان فُرصة للتأكيد على دور الأمن المحوري في حماية الدولة وفي ضمان أمن التونسيين وخلق مناخ مناسب للإعمار والبناء والاستثمار، وتمّ التأكيد على كون الأمن جمهوري ومُحايد ولكنه يحتاج إصلاحات كبيرة تتعلّق بظروف الأمنيين المادية ورعايتهم الصحية وحتى التشريعات اللازمة لحمايتهم أثناء أداء مهامهم. أما المستوى الثاني في الكلمة فكان ضمن معركة الصلاحيات المُتواصلة منذ مدة بين الرئاسات والمؤسسات، ومُحاولة الرئيس تأويل للدستور بما يجعلُه يجمع كل الأجهزة الأمنية إضافة إلى الديوانة والقوات العسكرية. ونحن نعتقد أن النأي بالمؤسسة الأمنية عن هذه التجاذبات أكثر من ضروري، هذا علاوة كون هذا “الجدل الدستوري” يجب أن يكون ضمن المؤسسات التي يجب أن تفتح قنوات الحوار بينها. لذلك فإن تركيز المحكمة الدستورية يُصبحُ مسألة مُستعجلة لتجنب مثل هذه الوضعيات والتباين والاختلاف حول تأويل الدستور.
أما المستوى الثالث الذي يُمكن الوقوف عنده في كلام السيد الرئيس، والذي أوافقه فيه تماما فيتعلق بمحاربة الفساد، وبكيفية إشتغال المرفق القضائي وما يتميز به من بطء وازدواجية في التعامل مع القضايا. فلا مجال اليوم للإفلات من العقاب تحت أي مُسمّى. على القضاء التحرّك ضد كل من تتعلّق به شبهات، بقطع النظر عن الحصانة. وأدعو مجلس نواب الشعب إلى المبادرة برفع الحصانة على النواب الذين تتعلق بهم تتبُّعات قضائية.”
كما عاد النائب العياشي زمال الى المحاولات المتكررة لسحب الثقة من راشد الغنوشي من رئاسة مجلس نواب الشعب، فأكثر ان العملية هي من صميم اللعبة الديمقراطية وان فشلها يعود إلى “كون منطلقات “خصوم” راشد الغنوشي مختلفة، فهناك من يُريد “في الحقيقة” بقاء “الشيخ” في منصبه لأن ذلك يمنحه شرعية ويُبرّرُ له أفعاله ويُعفيه من المسؤولية، هناك أيضا من يستغل تواجد الغنوشي في رئاسة المجلس للتموقع السياسي خاصة في علاقة بالحكومة، وهناك من يريد بقاء الغنوشي ليواصل تسجيل نقاط سياسية فقط. كما انه ليس هناك اتفاق على “خليفة” الغنوشي في رئاسة المجلس. في الحقيقة قلة هم من يُريدون فعلا تغيير رئيس المجلس حرصا على تجويد أدائه وتحسين عمله، لان البرلمان هو جوهر العملية السياسية بحسب الدستور الحالي” وحول أسباب العمل على إزاحة الغنوشي أوضح النائب “أنها تأتي أيضا بسبب ما خلقه تواجد رئيس حركة النهضة على رأس البرلمان من خلط بين صفته كرئيس حركة وصفته كرئيس مجلس نواب الشعب التونسي، لقد دخل في “الحساب” في بعض المواقف من تصرفات الكتل المتحالفة معه أو المُعارضة، وكلنا يتذكر تردده في إدانة العنف.”
وزاد فبين :ان السيد راشد الغنوشي يحمل “تاريخا سياسيا” طويلا تميّز بالصراعات العنيفة والتجاذبات الايديولوجية الحادّة وهو ما يُغذّي الأحقاد ويخلق التنافر ويُديم الصراعات في المجلس. هذا وزرٌ أثقل به مجلس نواب الشعب، لأن الكثير من خصومه يتحججون بذلك ولا يقبلون به رئيسا، لذلك دخل المجلس في مناكفات وصراعات وتجاذبات عطّلت أعماله وهو في غنى عنها.
إضافة إلى ذلك، فإن السيد راشد الغنوشي ورغم كونه “يتزعّم” حركة النهضة منذ عقود، فإنه لم يُحسن إدارة أشغال المجلس لا حوكمة الجلسات العامة، ووقفْنا على ذلك في كل جلسة أو اجتماع مكتب يكون حاضرا فيه.”
أما في علاقة بحكومة هشام المشيشي، فقد بين عضو الكتلة الوطنية أنه منح ثقتي إلى هذه الحكومة “من منطلق كونها “قُدّمت” إلينا كحكومة كفاءات مستقلّة. صحيح إن الظروف التي تعمل فيها الحكومة صعبة جدا، وهي تشتغل بنصف فريق وفي ظل تجاذبات سياسية قوية، وفي صراع مع السيد رئيس الجمهورية، ومع إدارة شبه متوقفة. لكن كل ذلك لا يُعفيها من المسؤولية.”
وبدت طريقة التعامل مع جائحة الكورونا علامة على عدم نجاح الحكومة عند الزمال خاصة وأنه رئيس لجنة الصحة، وعلى إطلاق دقيق بالوضعية الصحية وخاصة بالاجراءات والسياسات التي اتبعتها الحكومة فهي عنده “التي تتحمّل ارتفاع نسب الإصابة بالوباء والعدد الكارثي للأموات وتأخر وصول التلاقيح. كما عجزت الحكومة على ضمان انطلاق جيد للموسم الفلاحي. هناك غلاء في الأسعار ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وزاد العجز التجاري ومعدلات التضخم. صحيا ثمة فشل، واقتصاديا الأوضاع تزداد تدهورا وماليا البلاد على حافة الإفلاس. كأني بالحكومة تكتفي بتصريف ألأعمال.”
Comments