النائب الهولندي خِيرت فيلدرز .. هذا ما كان ينقصنا !!
بقلم محمد بشير ساسي
لم يُكنْ ينقص الضّمير الإنساني سوى جرائم القتل والإبادة والتهجير ضدّ المسلمين في بورما والهند والصين، أو مسلسل الذكريات المؤلمة لمجزرة المسجدين في نيوزيلندا، أو الأحداث وردود الأفعال الغاصبة التي تسبّبت فيها صحيفة (يولاندس بوستن) الدنماركية ومجلّة (شارلي إيبدو) الفرنسية من جرح لمشاعر ملايين المسلمين بعد نشر صور تستهزء وتسخر من الرّسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
لم يكن ينقص العالم الإسلامي سوى تلك الكومة من الأحقاد التي تتغذى منها ظاهرة “الإسلاموفوبيا” العابرة للقارات حتى تطلّ من جديد السحابة السوداء للنّائب في البرلمان الهولندي خِيرت فيلدرز الذي طرح عبر حسابه في تويتر مسابقة كاريكاتورية مسيئة للنّبي عليه الصّلاة والسّلام ودعا الناس لإرسال رسومهم بهذا الشأن.
فيلدرز اختار أسلوبا مستفزّا في الترويج لهذه المسابقة مصرّحا بأنّ حريّة التّعبير يجب أن تسود على العنف والفتاوى الإسلامية وهو ما يفسّر أنّ النائب في البرلمان الهولندي استسهل “المسألة الحسّاسة” في العالم الإسلامي، بل أبعد من ذلك تعمّد إثارتها من جديد بعد عام من إلغائه مسابقة مماثلة إثر اعتقال الشرطة الهولندية شابا غاضبا هدّد بقتله على خلفية موقفه المعادي للإسلام والمهاجرين. فالسياسي الهولندي الذي جمّدت شركة تويتر حسابه في وقت سابق بسبب تحريضه على الكراهية كان واضحا منذ البداية بتأكيده على أنّه لن يوقف حملته الشّخصية ضدّ الإسلام،رغم أن الموقف السياسي الرّسمي في بلده كان معارضا أنذاك لمسابقته التي اعتبرها تفتقر للاحترام و هي استفزازية للغاية، ولا علاقة للحكومة الهولندية بها من قريب أو من بعيد .
ويعتقد باحثون بأنّ صوت فيلدرز ليس نشازا أو ظاهرة سياسية عرضية، بل أن عدائه للديانة الإسلامية لا يتصادم مع السائد من القيم الهولندية، ويمثل زوايا مظلمة أصيلة من تاريخ البلاد. وتعتبر الأستاذة في “الدراسات الهولندية والفلامنغية بجامعة متشيغن الأميركية” إنيماري تويبوخ إنّ فكرة التسامح الهولندي هي مجرد صورة نمطيّة سادت الغرب عن هولندا دون أن يكون لها تجسيد في الواقع، وإن فيلدرز لا يمثل حركة ظهرت فجأة لتتقاطع مع ثقافة سائدة في البلاد. وأمام هذا المشهد المضطرب بفعل هواجس العداء والعنصرية ثمة من المراقبين من يطرح السؤال الحارق الذي يتهرّب الغرب الليبرالي من الإجابة عنه: إذا سقطت أرض الحرية والتسامح في قبضة اليمين المتطرف، فأي مصير ينتظر علاقة الإسلام بالغرب وما تفرّعت عنه من إشكاليات عدّة..؟
في هذا المجال يلفت علي عزّت بيغوفيتش الرئيس البوسني الراحل والمفكر والفيلسوف الإسلامي في كتابه “الإسلام بين الشرق والغرب”، إلى أن عداء الغرب الحالي للإسلام ليس مجرد امتداد للعداء التقليدي والصدام الحضاري – الذي وصل إلى صراع عسكري بين الإسلام والغرب، منذ الحملات الصليبية حتى حروب الاستقلال – وإنما يرجع هذا العداء بصفة خاصة إلى تجربة الغرب التاريخية مع الدين وإلى عجزه عن فهم طبيعة الإسلام المتميزة.
وبعيدا على التفسير التّاريخي لعلاقة الإسلام بالغرب،فإن الواقع المعيش يحيلنا على أن الأفكار والنظريات التي تتبنّاها الأحزاب السياسية الكبرى والتي تدور في فلكها فئة واسعة من المثقّفين والفاعلين في المجتمع المدني، تتغافل أو تتجاهل الدفاع عن حقوق الأقليات والمهاجرين، وعن مساواة الجميع بغض النظر عن أصولهم ولونهم، ربما لسبب سياسي متمثل في ضغط شعارات اليمين المتطرف والشعبويين. بل إن ضغط الشّعارات كما يرصدها نشطاء زادت من حملات اليمين المتطرّف في القارة الأوروبية، وهي الساعية لزرع الخوف المرضي من الدين الإسلامي (الإسلاموفوبيا) في نفوس الأوروبيين، ومحاولات فصل المهاجرين ولا سيّما المسلمين عن النسيج الوطني في الدّول الأوروبية.
ولعلّ الأمر الصادم للجاليات المسلمة هو تجاهل الحكومات الأوروبية لأنشطة هذه التيارات اليمينيّة المتطرّفة وطريقة تعاطي الإعلام معها كما يوضّح ذلك مخلوف مامش مستشار رئيس فدرالية مسلمي فرنسا الذي يؤكّد حاجة فرنسا إلى ترسانة قانونية كبيرة للحدّ من هذا الخطر العنصري. أما في بريطانيا وبحسب شهادات ممثّلين عن هيئات ومنظمات إسلامية فإن الجالية المسلمة هناك هي أكثر الجاليات تعرّضا للاعتداءات وجرائم الكراهيّة في ظلّ عدم وجود تشريعات تحميها معتبرين أنّه في ظل رفض الحكومة البريطانية تبني تعريف دقيق للإسلاموفوبيا يبقى الإفلات من العقاب أمرا يشجّع اليمين المتطرف على التغوّل في الاعتداءات ضدّ المسلمين
. في الولايات المتحدّة الأمريكية ورغم فوز سيّدتان مسلمتان بمقعدين في الكونغرس لأول مرة، فإن التّقارير والإحصائيّات تشير إلى أن الرئيس دونالد ترامب شجّع إلى درجة الخوف على زيادة نسبة الإسلاموفوبيا ، سواء كن ذلك خلال حملته الانتخــــــــــابية عــــــام 2016، أو بعد تسلّمه منصب الرئيس حيث سارع وقتها إلى إصدار ثلاثة أوامر تنفيذية تهدف لمنع سكان عدد من الدّول ذات الأكثرية المسلمة من دخول أمريكا.
ويرى روبرت ماكينزي – وهو مستشار سابق للخارجية الأميركية لشؤون العالم الإسلامي – أنّ هناك مئات الملايين من الدولارات تقدَّم لعشرات الجمعيات اليمينية المتطرفة وتنفق على التـــــأثير في المسؤولين المحليين لتحريضهم ضد المسلمين، كما تتم استثارة خوف الجميع عبر الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي بالقول أنّ المسلمين يخططون دائما لأعمال “إرهابية” ضد الأميركيين. صمْتُ العقلاء في الغرب والعالم إزاء ما يحاك ضدّ المسلمين من حملات تشويه ومؤامرات سيُسهمُ من دون شكّ في تدمير كلّ الأفكار والمبادرات الدّاعية للتّعايش والتّسامح بعيدا عن الإقصاء والذهنية الغربية التي لا تزال أسيرة لمقولة الآخر هو الجحيم، حيث يُختزل “المسلم” في صورة مشوّهة بكونه بربري لا يمكن التعامل معه إلا بلغة الاحتقار والعداء … فلماذا كلّ هذه الكراهية والتجني والتشويه؟
كاتب وإعلامي تونسي
Comments