النهضة .. الرابح الكبير
خديجة زروق
حصلت حركة النهضة مكاسب، و مواقع وزارية في حكومة الياس الفخفاخ اكثر بكثير مما كان لها في حكومة الحبيب الجملي….. فرغم أن حكومة الجملي سياسيا هي حكومة النهضة، فإن الحجم السياسي والوزاري فيها للحركة كان ضعيفا، بل إنها لم تدفع بقيادات الصف الاول فيها إلى الحكومة، عكس الحكومة الحالية، فقد دفعت إليها بقيادات مهمة في أكثر من منصب وزاري، ونجحت في المناورات و المداورات بشكل، تجنبت فيه التنازل على وزارات السيادة لحزب التيار، و حافظت على حياديتها.
فن ادارة التفاوض
المفاوضات فن، يستنزف الخصوم و يتطلب وحدة الصف و طول النفس، و هي مواصفات لا تتوفر في غير حركة النهضة. الكثير من الغموض و المناورات، تصعيد و تهديد، تراجع و تقدم، اسماء ترتفع لتنسحب بسرعة، تلك كانت تقنيات التفاوض لدى النهضة، التي استعملت الكثير من رموزها للانتقال إلى قصر الضيافة، فقد تحول إلى الفهفاخ، الشيخ بنفسه و عماد الحمامي ثم نورالدين البحيري و السيد العرباوي.
و تبع ذلك تحكما في المشهد الإعلامي و خطابه و نبرته بحسب تطور المفاوضات، البحيري و الفرجاني في الهجوم، و المكي و الهاروني في المناورة و سمير ديلو للتراجع…..طوبى لها، لان “المعسكر” المقابل كان معسكرا منقسما على نفسه، يفاوض بلا استراتيجيا واضحة، سقف أهدافه محدود، ينحصر في الحصول على الوزارات، و كأنها هدف في ذاتها.
و حتى التيار و الشعب، تناسيا أنهما في كتلة موحدة، هي الكتلة الديمقراطية، و فاوض كل واحد منهما منفردا، بنفس الفريق المفاوض، و نفس الايقاع الإعلامي و الخطاب السياسي, حتى أصابها الوهن، و صارت الصور ممجوجة، تكاد تكون في أذهان المتابعين إعادة بطيئة و مسجلة للوقائع، لا جديد فيها.
اطالت النهضة في أمد المفاوضات و غيرت من زوايا مطالبها، حتى بدت متناقضة، مرتبكة عند المتابعين المتعحلين للأحداث، بل إن عبد الكريم الهاروني، كان يغير مواقفه اكثر مما يغير ربطات عنقه، فكل ساعة عنده بعلمها .
لكن ذلك كله كان يدخل في خانة استراتيجيا تفاوضية مقصودة، لان العبرة تكمن في النتائج, و الحصيلة وفيرة النهضة اكثر مما كان لها في حكومة الجملي.
النهضة .. اللاعب الرئيسي
كما أن حركة النهضة، كرست هيمنتها على الحكومة، هيمنة نفسية، فقد دفعت بها و برئيسها الى حافة الهاوية، و صار النقاش عما بعدها علنيا، و لكنها التقطته من الظلمة ، و نفخت في روحه، ليس حبا فيه بل في “المصلحة الوطنية” و “تجنبا لجدل قانوني” و “مراعاة للوضع الاقليمي”.
و لم تنس على هامش ذلك، مهاجمة التيار و تحيا تونس، و أعلنت على رؤوس الأشهاد أن شبهات فساد و تضارب مصالح تحوم ببعض اعضاء الحكومة و حتى برئيسها.
ربحت النهضة ايضا، تحسنا كبيرا في علاقتها باتحادي الشغل و الاعراف، و اعدت للمستقبل تحالفا مهما واسعا و عريضا، تحالف اشارت إليه في بيان مكتبها التنفيذي، في شكل تثمين لتعهد رئيس الحكومة لدعواتها تمنين الحزام السياسي للحكومة، و ما يعنيه ذلك أن سيف ديموقليس سيظل منتصبا على رؤوس الجميع.
أكدت النهضة، طيلة هذا الشهر المضطرب أنه لا يمكن تجاوزها، و أن بعض الدعوات لعزلها هي مغامرات غير ممكنة، نجحت في الهيمنة على الحكومة فعليا سياسيا و نفسيا، متلافية دفع الثمن السياسي الباهض، في حال فشل تشكيل الحكومة.
و يبقى مصير الياس الفخفاخ بيد أغلبية حركة النهضة، التي تمتلك عمليا كل الاغلببات اللازمة لسحب الثقة و لمنحها للبديل الذي تراه صالحا. هذا النجاح يحسب ايضا لشيخ الحركة الذي استطاع أن يعيد رص صفوف الجماعة، و ارضى الغاضبين كلطفي زيتون و عبد اللطيف المكي و استرجعهم، و توحدت الحركة اكثر، و قد شعرت بمخاطر الاستهداف و العزل.
Comments