النهضة تتمسك بالحكومة .. و"تبتز " رئيسها "الصامد"، في انتظار القادم !
منذر بالضيافي
احتار المراقبون، في تفكيك ازدواجية خطابات وتصريحات حركة النهضة، وخاصة رئيسها راشد الغنوشي، حول الموقف من استمرار أو بقاء الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، فالغنوشي يقول الشيء ونقيضه في ساعات قليلة، في المقابل يشن الاعلام المحسوب على الحركة “حملة ممنهجة”، بوجه فيها اتهامات صريحة لرئيس الحكومة، أنه بصدد توظيف مقدرات الدولة لبناء حزب سياسي ينافس النهضة، وهو موقف في توافق وتماه مع تصريحات علنية لعدد من قيادات الحركة، يتمسكون فيها بضرورة الذهاب الى “حكومة انتخابات”، من أجل ضمان حيادية الادارة والدولة في الاستحقاقات الانتخابية، المقررة لنهاية السنة الجارية، والتي تحظى بأهمية “خاصة” عند النهضويين قيادة وقاعدة.
ولعل تضارب مواقف الغنوشي، واخوانه في قيادة الحركة، جعل المراقبين يرون اما أن الحركة تعاني من ارتباك، مرده انقسام تجاه الموقف من الشاهد وهو الذي تعطيه كل عمليات سبر الآراء تقدما كبيرا في الرئاسيات، وكذلك من حزبه الذي هو في طور التشكل والتأسيس، والذي سيكون منافسا جديا في الانتخابات المقبلة، مثلما يصرح بذلك قياداته. كما أن هناك من يعتبر أن ازدواجية وتذبذب الموقف النهضوي من الحكومة ورئيسها، يعود الى “تخطيط نهضوي”، يهدف الى الضغط على الشاهد، من أجل تحسين شروط التفاوض أو حتى من أجل “ابتزازه” أكثر، وهو الذي اختار السكوت أو الصمت عن كل الملفات التي تحرج الحركة، والتي هي محل اهتمام مجتمعي واعلامي كبيرين، على غرار الجهاز السري الذي قد يكون مورطا في الاغتيالات السياسية، والتسفير الذي تتزامن اثارته مع بداية عودة “الارهابيين” من بؤر التوتر، الذين تم تسفيرهم زمن حكم الترويكا برئاسة النهضة.
كما أن هناك من يذهب الى القول بأن تصريحات الغنوشي، التي لوحت لإمكانيه اقالة الحكومة قبل الانتخابات، والتي لا نبالغ بالقول بأنها أربكت الشاهد، والذين من حوله من رفاقه في الحكومة وفي حركة “تحيا تونس”، التي تمثل السند أو الحزام السياسي ليوسف الشاهد، كان من بين أهدافها ابراز أن “النهضة” هي من تتحكم في المشهد السياسي ، وأن مصير حكومة الشاهد بيدها وحدها، مستفيدة في ذلك من اختلال التوازن السياسي والبرلماني.
كما أراد الغنوشي من وراء تصريحه يوم الأحد في مدينة المنستير، الذي قال فيه “إنهم بصدد التشاور مع كل الأطراف بشأن الإبقاء على حكومة يوسف الشاهد إلى حين الانتخابات المقررة آخر 2019، أو تغييرها بحكومة تكنوقراط أو حكومة انتخابات”، الابقاء على “نهج مغازلة الرئيس قايد السبسي”، وهو هنا ( الغنوشي) يوظف “هاجس” لدى الرئيس وحزبه “نداء تونس”، يتمثل في “تصفية الحسابات مع الشاهد”، عبر اقالته أيا كان الجهة التي يمكن أن تكون وراء ذلك، وهي رسالة نقدر أنها لم تعد محل متابعة واهتمام كبيرين في قصر قرطاج.
ولا يستبعد أن يكون تصريح الغنوشي يوم الأحد والذي تراجع عنه في بيان للمكتب التنفيذي أمضاه هو بنفسه، وصدر أمس الثلاثاء، موجه لترضية “الداخل النهضاوي” لا غير، وهنا يذكر أن عدد من القيادات النهضوية “الوازنة” قد دعت الى ضرورة الذهاب الى تشكيل “حكومة انتخابات” بعد الاعلان عن حزب “تحيا تونس” القريب من رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وبداية الحديث عن توظيف لمقدرات الدولة لفائدة الحزب الجديد.
لكن، في المقابل هناك قيادات نهضوية “وازنة” و “مؤثرة” بسبب قربها من “الشيخ” ودائرته، تراهم بقوة على استمرار الحكومة وعلى بقاء يوسف الشاهد على رأسها، الى حدود الانتخابات القادمة، وترى أن الرئيس السبسي ونداء تونس، اصبحوا من الماضي، وأن الشراكة مع الشاهد وحزبه لابد من التأسيس لها، من الان وتستمر ما بعد الانتخابات.
رئيس الحكومة، المعني أكثر من غيره بمستقبل “الشراكة” مع النهضة، اختار “الصمت” وعدم الافصاح عما يخطط له، وهو نهج وأسلوب في الحكم يبدوا انه عن اختيار واعي، برغم أن تصريحه الأخير في باريس أغضب “جماعة مونبليزير، بخصوص توصيفه بحليف جديد لحركة النهضة، حيث قال رئيس الحكومة: “ليس أنا من جاء بالنهضة للسلطة…فقد تم تعييني على رأس حكومة الوحدة الوطنية إثر اتفاقات تمت برعاية رئيس الجمهورية… وبالنسبة لي مهمّتي هي إدارة شؤون البلاد”.
مثل هذا التصريح، يكشف أنه وعلى خلاف التصورات المتداولة، على ان رئيس الحكومة يوسف الشاهد، له من الورقات التي بين يديه، التي يخيف بها “خصومه” و “حلفائه”، وبالتالي أنه ليس في موقف أو موقع ضعف، خاصة في علاقة بحركة “النهضة”.
وأن استمراره في القصبة ليس مدين فيه لشيخ النهضة، بل أنه ثمرة “تحالف الضرورة” بينهما ، لكل طرف فيه ماربه ومصالحه، وبالمناسبة أقدر أن مسار التقلبات التي صاحبت وجود الشاهد في القصبة، والتي خرج منها كلها “منتصرا” الى حد الان، تكشف على أن الرجل فرض واقعا جديدا، وأنه ليس “دمية” أو “رهينة” بيد حلفائه، بل أنه ودون مبالغة يخيفهم، وهو “المتمرد” و “الطموح” والمتمسك بالاستمرار، وهو الأهم الذي قام “بمقامرة مربحة”، جعلته لا يستمر ويصمد بل يخطط ل “البقاء” في المستقبل، مستفيدا في ذلك من التنقاضات بين “الشيخين”، ومن فراغ المشهد، ومن الضغط الاقليمي والدولي والداخلي الممارس على الاسلاميين، دون أن ننسى أنه كان “الأجرأ”.
يوسف الشاهد، الذي التحق بالملعب للعب مع الكبار على “اطراف الاصابع” و تحول الى لاعب من ابرز لاعبيه مدعو لان يؤكد جدارته بالبقاء في هذا الملعب و بأن تكون سياساته سياسات كبار …فهل ينجح ؟ .. هذا هو السؤال.
و في السياسة، العبرة بالنتائج.
Comments