النهضة في مواجهة “محنة” الحكم .. رفض مجتمعي و عزلة سياسية !
منذر بالضيافي
بعد مرور أكثر من عشرة سنوات على مشاركة حركة النهضة الاسلامية في الحكم، ما زال المشهد المجتمعي والسياسي العام وخاصة لدى الأحزاب اليسارية و حتى الدستورية، والنخب القريبة أو المرتبطة بهما يغلب عليه الخوف وعدم الثقة في الإسلاميين، ويرون فيها – النهضة – تهديدا لمدنية الدولة، وللمكاسب المجتمعية التي تحققت خلال دولة الاستقلال، فضلا عن غياب مشروع الحكم، وهي مخاوف لم تنجح “النهضة” في الحد منها وتبديدها، بل أنها تجذرت وترسخت أكثر بسبب الأداء السياسي للنهضة في الحكم، لتجد الحركة نفسها بعد عشرية الثورة، في وضع سمته رفض مجتمعي متصاعد، وعزلة سياسية أصبحت واقعا، برغم تواصل وجودها في الحكم وفي الهيمنة على البرلمان.
زادت سنوات حكم النهضة من مخاوف خصومها، هذا ما يفسر عودة الاستقطاب معها بقوة وبأكثر “شراسة” من السنوات الأولى للثورة، خاصة مع تصاعد تأثير الحزب الدستوري الحر في البرلمان وخارجه، الذي جعلت رئيسته عبير موسي – القيادية السابقة في التجمع الدستوري الديمقراطي- من معارضة “الاخوان” شعارا مركزيا لنشاطها السياسي، مكنها من كسب نقاط عديدة مجتمعيا وسياسيا، نجد ترجمة له من خلال تصدر الدستوري الحر لنوايا التصويت في التشريعية، وتقدم عبير موسي في نوايا التصويت في الرئاسيات.
استقطاب ارتفع منسوبه، بعد احتدام الصراع بين الرئيس قيس سعيد وحركة النهضة، خاصة بعد زيارة سعيد الأخيرة لمصر، والحفاوة البالغة التي قوبل بها من قبل رئيسها عبد الفتاح السياسي، والذي اعتبرته قيادة النهضة رسالة سلبية ضدها، تأكدت مع خطاب قيس سعيد في جامع الزيتونة ساعات قليلة بعد عودته من القاهرة، والذي تطرق فيه ولأول مرة الى التفريق بين “المسلمين” و “الاسلاميين” في اشارة دالة على تبنيه لتصورات المعسكر المعادي لتيار الاسلام السياسي.
كما استمرت في مجلس نواب الشعب، مظاهر الحشد لسحب الثقة من رئيس النهضة راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان، بعد محاولة أولى فاشلة، مستفيدة من وضعية التململ داخل كتلة قلب تونس، التي أعلن صراحة عدد من نوابها عن التحاقهم بمعسكر سحب الثقة من “الشيخ”، ولا يستبعد أن تكون المحاولة الثانية ناجحة، وسط تسريبات مؤكدة عن الوصول الى “نصاب” يسمح بالمرور بعزل لرئيس البرلمان.
مما تقدم، ومن خلال قراءة في المشهد البرلماني، والسياسي العام في البلاد، وكذلك لحالة الرفض المجتمعي المتنامية لاستمرار حكم الاسلاميين، نلاحظ أننا بصدد العودة الى مربع الأول الذي تشكل بعد الثورة واستمر الى انتخابات 2014، والذي تمثل في رفض فكرة ادماج الاسلام السياسي في الحكم خاصة، ونقد تجربة “التوافق” بين الاسلاميين وخصومهم، زمن حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي (2014/2019).
هذا الرفض أصبح ممثلا في تيار مجتمعي واسع، لا يخفي غضبه على الاسلاميين، لا بسبب هويتهم الايديولجية فقط، بل أساسا بسبب الفشل في الحكم والحصيلة السلبية، التي آلت الى حالة انهيار شاملة في مختلف مناحي الحياة، جعلت من تونس على طريق “الدولة الفاشلة”، محملين الاسلاميين المسؤولية الأولى عن هذا الفشل الشامل، برغم تواصل تملص النهضويين وتشديدهم على أنهم لا يتحملون مسؤولية الحكم لوحدهم، وهنا لا يجب أن يغفل المتابع الحصيف، عن وجود تراجع كبير في شعبية التيار الاسلامي في المجتمع، على خلاف ما كان عليه خلال السنة الأولى للثورة.
برز التراجع في شعبية الاسلاميين، من خلال المواعيد الانتخابية، فبد أن صوت لهم أكثر من مليون ونصف ناخب في 2011 ، فقد تراجع العدد الى أقل من 500 ألف ناخب في 2019، فضلا عن عجز الحركة، على تصعيد مرشحها والشخصية الثانية في الحركة عبد الفتاح مورو، للدور الثاني لرئاسيات 2019
بعودة الانقسام السياسي بين الاسلاميين وخصومهم، لاحظنا حصول تحشيد ويقظة في علاقة ب “مقاومة” تمدد الاسلاميين في مؤسسات الدولة، ولعل هذا ما يفسر الرفض الكبير، والذي تحول الى قضية رأي عام، لتنصيب الصحفي كمال بن يونس، على رأس وكالة الأنباء الرسمية، على خلفية قربه من النهضة وبالتالي اعتباره تعيين حزبي. لتعود معه الاتهامات القديمة/الجديدة للحركة الاسلامية (حركة النهضة)، بأنها تعمل بالليل والنهار على “التمكين” لمشروعها السياسي، عبر مزيد التغلغل في مفاصل الدولة، فضلا على التخطط للبقاء في السلطة لسنوات بل عقود طويلة.
وهو ما جعل الحياة السياسية، بعد عشرية كاملة من ثورة 14 جانفي 2011، تعيش على وقع مشهد يشبه “الرمال المتحركة”، مشهد سمته الأساسية الانقسام والضبابية، وبالتالي الخوف من سيناريوهات المستقبل، التي تبقي مفتوحة على كل الاحتمالات.
وهو ما كرسته نتائج الاستحقاق الانتخابي الاخير التشريعي والرئاسي، الذي مثل “مأزق” لا “فرصة” لمغادرة “الهشاشة السياسية”، وذلك من خلال تصعيد برلمان مشتت وفسيفسائي، ورئيس جمهورية بلا تجربة سياسية وبلا برنامج حكم، وفي قطيعة مع المنظومة السياسية التقليدية بما فيها التيار الاسلامي، برغم اشتراكه معهم في المرجعية الدينية والمجتمعية المحافظة، لكن الصراع حول السلطة برز للسطح بسرعة بينهما، واصبح يؤذن بالذهاب نحو “التصادم”، الذي ستكون فيه كل الأسلحة ممكنة، باعتبارها معركة وجود، خصوصا في ظل “تمترس” كل طرف وراء مواقفه.
Comments