“النهضة”: من الجماعة الى الحكم: ما بعد الثورة، سقوط وهم "التمكين" للمشروع الاسلامي / 19 من 30 /
منذر بالضيافي
بعد الفوز بانتخابات 2011، الأولى بعد الثورة، بدأت مرحلة اختبار الاسلامية التونسية، حيث مثلت فترة الحكم اختبارا جديا لمعرفة مدي قبول “النهضة” بالديمقراطية، خصوصا التداول السلمي على السلطة.
وطرح السؤال المهم: هل أن الإسلاميين ييستعملون الديّمقراطية كمطية للوصول للحكم، ثم عدم مغادرته وبالتالي “التّمكين” للمشروع الإسلامي؟
من البداية، وحتى قبل نيل ثقة المجلس الوطني التأسيسي، وخلال كامل فترة حكمهم وجد الإسلاميون أنفسهم بين ضغط القوي العلمانية الرافضة لمشرعهم والمشكّكة في نواياهم، وبين تطلعات إسلاميين “متزمتين” – من داخلهم ومن حولهم – يتمسّكون بضرورة “التّمكين” للمشروع الإسلامي.
في ظلّ هذا المناخ، عاشت تونس وضع أصبحت فيه وحدة المجتمع والدّولة مهددتين، خاصة بعد تنامي بل تصاعد مظاهر الانقسام المجتمعي، النّاجم عن تقسيم المجتمع بين “إسلاميين” و”علمانيين”.
زيادة على تنامي المخاطر الأمنية، بعد تكرر الاغتيالات السّياسية (اغتيال القيادي اليساري بلعيد في فيفري 2013 والنائب البراهمي في جويلية 2013)، فضلا عن تنامي مخاطر وتهديد الجماعات الدّينية المتشددة، التي انتشرت وتعددت أنشطتها في ضوء تسامح من الحكومة القائمة ذات المرجعية الإسلامية.
أمّا في المستوي السّياسي، وإن كان من الصعب على النّهضة التنكّر للخيار الدّيمقراطي، إلا أنّ هذا لم يمنعها من محاولة تعطيل مسار الانتقال عبر تمديد وتمطيط عهدة المجلس الوطني التأسيسي.
الذي أعتبر بمثابة مؤشر على بداية تنكر الاسلاميين، لتفعيل مسار الانتقال السياسي، الذي أوصل الاسلاميين الى سدة الحكم، والذي كان يبشّر بتسريع نسق بناء أنموذج ديمقراطي، لكنّ الإسلاميين اختاروا تمطيط المرحلة التأسيسية، عبر جعلها فترة حكم طويلة.
و من الممكن أنه قد خُيَل للبعض منهم، أنهّا خطوة ستفضي إلى “التّمكين” لمشروعهم، بعد التغلغل في مفاصل الدّولة، وبالتالي التخطيط للتحكم في كل انتخابات قادمة، وهذا ما لم يتحقق بفضل يقظة الإعلام والنّخب والمجتمع المدني، وبدرجة أقل بكثير الأحزاب السّياسية.
لكن، هذا لا يجب أن يغفل وجود تيار “واقعي”، على بينة من موازين القوي ومن أثار زلزال سقوط حكم الإخوان في مصر، داخل النّهضة بزعامة رئيس الحركة راشد الغنوشي، رأى في خروج النّهضة من الحكم “حلاّ قبل أن يسقط السّقف على الجميع”، وهو الذي رجّح أخيرا الكفة لصالح قرار الخروج من الحكم، ليجنب بذلك وقوع صدام بين الإسلاميين والمجتمع والدّولة، على غرار ما حصل في مصر بعد انقلاب العسكر على حكم الإخوان.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ عدم قدرة الحكّام الإسلاميين، على المساس بالنّمط المجتمعي التّونسي، وإنجاح “حلمهم” أو “مشروعهم” في “أخونة” أو “أسلمة” المجتمع، يعود أيضا إلى وقع تجذّر المشروع الحداثي التّونسي، في تشكيل وتكوين البنية الذّهنية والنّفسية للتيّار الغالب لإسلاميي تونس.
وهذا ما يجعلنا نتمسّك بوجاهة المقاربة السّوسيولوجية التي عبّر عنها بعض أساتذة علم الاجتماع في الجامعة التونسية مثل “عبد القادر الزغل”و “عبد اللطيف الهرماسي” وغيرهما…الذين رأوا بأنّ الحركة الإسلامية – وتحديدا حركة النّهضة – هي نتاج للتّجربة التّاريخية والاجتماعية التونسية.
وأنّ “الجماعة الإسلامية”، التي نشأت في بداية السبّعينات من القرن العشرين، من منطلقات وأدبيات “إخوانية”، نسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية، سرعان ما فرض عليها مجتمعها التكيّف مع خصوصياته، وأنّها انتهت إلى التّسليم كرها لا طوعا بمقولة “تونسة الحركة” عوضا عن “أسلمة المجتمع”، وفق التصور والمنهج الذي دعا إليه حسن البنا في رسائله الشهيرة، التي تحولت الى تعاليم مقدسة عند أتباعه، ومنهم إخوان تونس( ).
بعد سنتين من حكمهم، تبيّن للإسلاميين أنّ “التغيير لم يكتمل”، وأنّ هناك “خيبة” مجتمعية من عدم تحقق “الاستحقاقات”، التي قامت من أجلها هذه الثورة، وزادت الأوضاع تعقيدا بانتشار العنف السّياسي، الذي مارسته جمعيات قريبة من”النهضة”.
هذا العنف سنجد أنه سيتطور حد حصول اغتيالات سياسية (سنتعرض في ثنايا هذه السلسلة من المقالات للعنف السّياسي زمن حكم النّهضة).
كما شهدت فترة حكم النهضة تمدد للتيار السلفي المتشدد، الذي جعل تونس تحتل المرتبة الأولى في البلدان المصدّرة للإرهابيين، إلي بؤر التوتّر في سوريا والعراق وليبيا، وضع سيرمي لاحقا بطلاله على كافة مسار الانتقال الديمقراطي، ولا يستبعد أن يمثل خطرا يهدد بإرباك التجربة وحتى ايقافها.
*******
Comments