"النهضة”: من الجماعة الى الحكم: ما بعد الثورة، تحولات الاسلامية التونسية / 18 من 30 /
منذر بالضيافي
ساعد الاختراق الذي حقّقته حركة “النّهضة”، خلال السّنوات الأخيرة من حكم زين العابدين بن علي، تحديدا داخل الطبقة السّياسية، ونعني هنا تمكّن الإسلاميين من إقناع أحزاب المعارضة بهيمنة النّظام على الحياة السّياسية، وبجدوى تشريكها في العمل السياسي، وبالتّالي استعادة النّشاط الوطني السّياسي، بعد سنوات من المطاردة و “الاجتثاث”.
وذلك في مرحلة أولى عبر حضور في المنتديات السّياسية أو الكتابة في صحف المعارضة – خاصة جريدة “الموقف”، لسان الحزب الدّيمقراطي التّقدمي – وصولا إلى المشاركة الفعلية والعلنية في “جبهة سياسية معارضة للحكم”(حركة 18 أكتوبر)، وذلك بعد أكثر من عشرية ونصف من الغياب التّام، عن المشهد السياسي.
هذا الحضور السّابق للثورة، ساعد الإسلاميين في عملية “التّطبيع” مع مكوّنات المشهد السّياسي، وبالتّالي مهّد لعودتهم والتّواجد كطرف في الخارطة الحزبية والسّياسية التي برزت وتشكّلت بعد انهيار النّظام، وهروب الرّئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
كما استطاعت الحركة، خلال زمن قياسي إعادة ترتيب بيتها الدّاخلي، ولعلّ “الأمر الذي يثير الدّهشة فعلاً، هو أنّ حركة النّهضة استطاعت بعد عشرين عاماً من اختفائها الفعلي عن الحياة السّياسية العلنية في تونس، وعقب تعرّض أعضائها إلى ملاحقات وأساليب قمعية مارسها النظام بنحو نادرفي أساليب التنكيل والاقصاء، لا أن تخلق لنفسها هياكل تنظيمية جديدة فحسب، بل وأن تنجح أيضاً في كسب ودّ هذا الجمهور العريض من النّاخبين ، خاصة جمهور الشباب، الذي لم يختبر حركة النهضة عن كثب، ولم يكن يعرف عنها شيئاً.
كما أنّ ما يدعو للدّهشة فعلاً هو نجاح الحركة ــ بلا مشاكل تذكر ــ في أن تعيد إلى صفوفها المئات من أعضائها سواء في الداخل، أو الّذين كانوا قد فضّلوا على مدى سنوات طويلة حياة اللّجوء في الخارج وفي أوروبا على نحو خاص.
واللاّفت أيضا، هو استمرار النّهضة بعد الثّورة في تبني الخطاب السّياسي، الذي خطته مع المعارضة خلال سنوات النّضال ضدّ نظام بن علي. وهو في الواقع تعبير عن تطوّر في المقاربة السّياسية والإيديولوجية للإسلاميين، كانت محور نقاشات كبيرة في المهجر، وحتى داخل السّاحة التونسية، تُرجمت بصفة خاصة في النقاشات والوثائق التي صدرت عن جبهة 18 أكتوبر.
في دراسة له تحت عنوان: “حركة النّهضة في تونس: “قابلية حركات الإسلام السّياسي للدّيمقراطية والحداثة”، يشير الباحث الألماني لوتس روغر إلى أنّ “النهضة” أبدت “التزاما بالعمل على تحقيق التحوّل الديّمقراطي من خلال التّعجيل بإنشاء المؤسّسات الدّيمقراطية والمؤسسات ذات الشرعية الدّيمقراطية في المقام الأول وبذل الجهد المناسب، للتفاهم مع الحركات السياسية الأخرى في السّاحة التّونسية، من قوى سياسية علمانية ويسارية على وجه الخصوص. وعلى خلفية برنامج الحركة المعلن في وقت مبكّر، في العام 1996 على وجه التّحديد، والمتضمّن تصوراتها بشأن الأهداف التي ستعمل على تحقيقها بعد الإطاحة بنظام بن علي، تبدو الحكومة الائتلافية التي كوّنتها النّهضة ( التي عرفت بحكومة الترويكا) تنفيذاً عملياً لذلك المشروع الذي جرى الإعلان عنه، في العام المذكور: تشكيل جبهة موحّدة تأتلف في إطارها أهمّ القوى المناهضة لنظام الحكم، الذي انهارت أركانه في كانون الثاني/ يناير. وكما كانت الحال في العام 1981، أعني حين أعربت الحركة لأول مرة في تاريخها عن استعدادها للمشاركة في تأسيس تنظيم سياسي تعدّدي، تخلت الحركة في العام 2011، أيضاً، عن التصورات الخاصة بتأسيس جمهورية إسلامية، أو المطالبة بتأسيس دولة تلتزم بتطبيق أحكام الشريعة”.( 1)
ويقرّ لوتس روغر إنّ في برنامجها، الذّي أعلنته في أيلول/ سبتمبر من عام 2011، أي قبل موعد انتخابات المجلس التّأسيسي ببضعة أسابيع، لخّصت الحركة برنامجها السّياسي بالعبارات التالية: “حرية”، «ديمقراطية» وأنّ «السّلطة للشعب».
وتأسيساً على هذه العبارات تسعى الحركة إلى تأسيس نظام جمهوري يضمن تحقيق العدالة والحرّية والاستقرار ويقضي على كافّة مظاهر الاستبداد والفساد.
وتعترف الحركة صراحة في برنامجها هذا بضرورة منح الفرصة لكافة اللاّعبين في الحقل السّياسي لأن يشاركوا بصياغة الدّستور الجديد، وذلك باعتبار أنّ هذا الدستور سيكون تتويجاً للثورة التونسية”.
وهو فعلا ما حصل في الواقع، وإن كانت قد برزت محاولات للتفرّد بكتابة “دستور إسلامي”، تم نشره في الأنترنت، قوبل بجبهة رفض واسعة، وهو ما عجّل بسحبه و التبرّؤ منه من قبل قيادة النّهضة.
وفي التّفاصيل الواردة في برنامجها الانتخابي(سبتمبر 2011)، بشأن النّظام السّياسي في تونس الجديدة، تؤكّد الحركة “أنها ستسعى إلى تحقيق بيئة سياسية واسعة المساحة”، إذ أن الحركة تشير هاهنا، إلى “أنّ الحرية والعدالة والتنمية قضايا مركزية بالنّسبة إلى الدّولة والمجتمع”.
وتؤكّد الحركة على “أنها شديدة التمسّك بحقوق الإنسان وبالحرّيات الفردية والجماعية”، علماً بأن ضمان حرية المعتقد والتفكير وحقوق الأقليات الدينية، كان قد جرى ذكرها بنحو صريح في برنامج الحركة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
كما تؤكد الحركة أنها ستحظر ممارسة التّعذيب في السّجون والمعتقلات. بالإضافة إلى هذا وذاك، تعترف حركة النّهضة باحترام استقلالية المجتمع المدني وتؤمن بمبدأ التعددية وبأهمية التّداول السّلمي للسلطة وبضرورة الفصل بين السّلطات وبأهمية استقلالية القضاء.
ويري الباحث الألماني المتخصّص في قضايا الإسلام السّياسي، لوتس روغر، أنّه “حينما يطالع المرء برنامج حركة النّهضة، بدقة وإمعان، فإنّه يلاحظ بكلّ تأكيد أنّ التجربة المستقاة من ممارسة الحكم الفردي الاستبدادي، على مدى عشرات السنين وما خلفه هذا الحكم الديكتاتوري من نتائج بيّنة في السّياسة والاقتصاد والثقافة، كانت من جملة الدّوافع الأساسية لما جاء في البرنامج من تأكيد على أهمية تأسيس دولة الشعب والقانون، أي تأسيس دولة، تحمي المواطنين من التعرّض للجبروت والتعسّف الحكومي، وذلك من خلال ما فيها من مؤسسات، قوية ومجتمع مدني نشيط.
من هنا، تكررت الإشارة، إلى مبادئ «الحكم الرشيد»، و «كرامة الإنسان»، وجرى ربطها مع متطلبات تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة.
وبالمناسبة، احتلّت الفصول، الخاصة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية حيزاً أوسع في برنامج الحركة، من الحيز الذي احتلته الفصول المتعلقة بالنّظام السّياسي. علماً بأن هذه الفصول، أعني الفصول الخاصة بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية، كانت من جانبها، تعبيراً قوياً عن الحرص على التخلي الكلي عن ممارسات النّظام البائد”(2 ).
***********
( ) “حركة النهضة في تونس: قابلية حركات الإسلام السياسي للديمقراطية والحداثة”، الباحث الألماني، المختص في متخصص في قضايا الإسلام السياسي، لوتس روغر، الرابط:
http://www.goethe.de/ges/phi/prj/ffs/the/a97/ar9514045.htm
(2) المرجع السابق
Comments