“النهضة”: من الجماعة الى الحكم: ما بعد الثورة، "المراجعات" مطلب داخلي أم اكراه خارجي؟ / 20 من 30 /
منذر بالضيافي
دفعت التحوّلات المتسارعة في نسقها وارتداداتها، خاصّة تلك التي هي في علاقة بمستقبل حركات الإسلام السّياسي التّقليدي، الذي بدأ نجمه في الأفول والتّراجع، منذ سقوط حكم الإخوان في مصر(30 جوان 2013) ودخولهم في “محنة” غر مسبوقة في تاريخهم، وكذلك بعد الخروج من الحكم وتراجع الشعبية بفعل تراجع الصّورة “النّمطية الطهورية”،وتبدّل الموقف الدّولي من التيّار الإسلامي.. كلّها عوامل دفعت حركة “النّهضة” إلى التّعجيل بإجراء مراجعات، أعلنت عنها مباشرة بعد خروجها من الحكم – نهاية 2013 – و هي في الواقع بدأت منذ قبول “النّهضة” بالمشاركة في “الحوار الوطني”، ورضوخها للضغط الدّاخلي القاضي بضرورة الخروج من الحكم، الذي تزامن مع بروز “مطلب داخلي” في اطار الجماعة، مطلب ملحّ للتقييم والمراجعة، وهي في الواقع مراجعات تم تأجّيلها بعد وصول الحركة إلى الحكم، حيث تمّ ترحيلها من المؤتمر التّاسع، إلى المؤتمر العام العاشر.
طرح القيادي في “النّهضة”، رفيق عبد السّلام، في مقال نشره بيومية “الصّريح” التّونسية، السؤال التالي: “هل تتطوّر حركة النّهضة باتّجاه حزب وطني مَفْتُوح ؟ “( رفيق عبد السلام، هل تتطور حركة النهضة باتجاه حزب وطني مَفْتُوح، جريدة “الصريح” التونسية، 22 أوت 2015).
استهل رفيق عبد السلام مقاله بالإقرار أنّ “حركة النّهضة تعيش مخاضا فكريا وسياسيا عسيرا فرضته مجمل المتغيرات الحاصلة في المشهد السّياسي الْعَام في تونس وفي المحيط الإقليمي الأوسع ،الأمر الّذي دفع قادتها ومجمل الفاعلين فيها إلى تحسّس واقعهم الجديد وتأمّل مواطن القصور والخلل في مسيرتهم الفكرية والسّياسية ، وليس هناك ما يعيب في الإقدام على التّطوير والتّجديد، بَل العيب، كلّ العيب، في الرّكون إلى رتابة الجمود والتّكرار وعدم إدراك روح العصر ومقتضيات المرحلة” .
دون الخوض في تفاصيل “الجدل” الدّاخلي، يشير رفيق عبد السّلام، إلى أنّ “النّهضة” حسمت في “الخطّ السّياسي”، الّذي دفعت نحو أن يكون قائما “على التّوافق والتّسويات السّياسية بدل التّمادي في لعبة الصّراع والاستقطاب (…). وهو موقف يتّجه إلى أن يكون خيارا استراتيجيا لحركة النّهضة، بل لتيّار الإسلام الدّيمقراطي في العالم العربي”.
ويضيف “لا مهرب من التّطوير على صعيد الأفكار ووسائل العمل والتّجديد في الهيئات والأشخاص في إطار الاحتفاظ بالمكتسبات التي ثبت نفعها وتجاوز السّلبيات والعثرات التي ثبت ضررها”( ).
ويبرز عبد السّلام، أنّ “النّهضة” بعد الحكم مختلفة عمّا قبله، مبيّنا “أنّ التّطور الأهم الذي فرض نفسه على الحركة كان مرتبطا بتحمّلها أعباء الحكم بعد الثورة وما أعقبها من تغييرات سياسية جذرية، وكان من استتبا عات ذلك تسجيل نقلة نوعية وشاقّة من حزب جذري معارض يغلب عليه طابعا الاحتجاج والسرّية إلى حزب علني حاكم. ولا غرو أن بقي هذا المعطى الجديد فاعلا في إعادة تَشكيل كيان حركة النّهضة وتحديد خطابها السّياسي وخياراتها العامة”.
منذ انطلاق “الحوار الوطني”، وبعد الخروج من الحكم، تمّ تسريع نسق “التنازلات” السّياسية والتّعجيل بضرورة إنجاز المراجعات، وكأنّ الحركة تعمل على استباق مكروها قادما. و هو ما كشفت عنه تصريحات وكتابات رموز وقيادات في الحركة، كتابات أكّدت على أنّ الحركة بصدد التحوّل إلى حزب وطني مدني، قرار سياسي لم يصاحبه نشر أدبيات تفسّر وتوضح هذا الانتقال المنشود.
و هو ما جعل الكثيرين يتعاملون معها –المراجعات – بالكثير من الرّيبة والحذر، إن لم يضعوها في خانة التّشكيك وازدواجية الخطاب التي عرفت بها الحركة داخل المشهد السّياسي، بسبب تردّد في الحسم في قضايا مهمّة تتّصل بهوية ومستقبل الحركة، وتحديدا توظيف الدّين لأغراض سياسية.
بدت “المراجعات” تحت ضغط الواقع، أكثر منها استجابة لمطلب داخلي أو لحيوية داخلية، ممّا جعلها أقرب إلى “مراجعات قيصرية”، تروم من ورائها الحركة – وفي المقام الأول – “تأمين” البقاء والاستمرار في المشهد المجتمعي والسّياسي المحلّي، وأيضا المحافظة على “الصّورة” التي روجتها عن نفسها في الخارج، كتنظيم إسلامي معتدل لا يعادي الغرب وقيمه، و حتى مصالحه في تونس وفي العالم العربي .
هذا فضلا عن سعيها إلى التّأكيد على أنّ الإسلام السياسي لم يفشل، بعد تجربة سريعة في الحكم، بعد ثورات الرّبيع العربي، وأنّه “كائن حي” له دينامية داخلية، تجعله قادرا على التأقلم مع المتغيّرات و الإكراهات، وقادر أيضا على تطوير خطابه وسياساته والعودة من جديد.
في هذا السّياق، كتب رئيس حركة “النّهضة” راشد الغنوشي مقالاً عنونه في شكل سؤال:”هل فشل الإسلام السّياسي حقا ؟” (راشد الغنوشي، هل فشل الإسلام السياسي حقا ؟، رابط مقال الغنوشي: رابط مقال الغنوشي
http://sudaneseonline.com/board/450/msg/1384270022.html)
حاول الغنوشي في مقاله قراءة مستقبل حركات الإسلام السّياسي في المنطقة العربية، في أعقاب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، وهو الزلزال الذي ستكون له تداعيات على هذه الحركات، وعلى موقعها في الحراك السّياسي والاجتماعي، خلال السّنوات القادمة، فلا نبالغ بالقول أن ما حصل في مصر قد أنهي وقطع ابستيمولوجيا وسياسيا مع السّرديات التّقليدية للأخونة، وأنّ مرحلة “ما بعد الأخونة” قد بدأت ترتسم ملامحها.
Comments