النهضة وحكومة الجملي .. من فرصة الى مأزق !
منذر بالضيافي
تعقد حركة النهضة مساء اليوم الخميس 9 جانفي 2020 دورة استثنائية لمجلس الشورى، وعلم موقع “التونسيون” من مصادر مطلعة، أن اجتماع شورى اليوم، سيتم بحضور الكتلة النيابية والمكتب التنفيذي، وسيخصص للنظر في مسار تشكيل حكومة الحبيب الجملي، الذي يعرف تعطلا ينذر بسقوطها، ليكشف عن تراجع هامش المناورة لدي النهضويين، والناجم بالأساس عن تعدد الأخطاء السياسية، التي كشفت عن وجود أزمة في العقل السياسي النهضوي.
الانطباع السائد في الحياة السياسية، هو صعوبة مرور حكومة الجملي غدا في البرلمان،وذلك بعد اعلان جل الكتل النيابية، عن عزمها عدم منح الثقة لحكومة الرئيس المكلف من قبل حركة النهضة. وبهذا تحول الانتصار الانتخابي (الضعيف أصلا) من “فرصة” للاستمرار في الحكم، الى “مأزق” يهدد موقع الحركة لا في السلطة فقط، بل أيضا يرمي بظلاله على وحدة الحركة وتماسكها، بعد بروز “حرب الشقوق” داخلها، الذي سرع وتيرته مغادرة رئيسها راشد الغنوشي مونبليزير الى رئاسة مجلس نواب الشعب، تاركا وراؤه فراغا كبيرا في ادارة وتسيير الحركة.
في علاقة بمستقبل حكومة الجملي، من الضروري أن نشير، الى أن الاتفاق الذي حصل بشكل فجائي، بين كل من يوسف الشاهد ونبيل القروي، قد أربك حسابات حركة النهضة والرئيس المكلف الحبيب الجملي، اذ كانت النهضة تعول على تصويت كتلة حزب “قلب تونس” (38 نائبا) على غرار ما حصل في انتخابات رئيس البرلمان، لضمان تمرير حكومة الجملي في قبة باردو. ينضاف الى وجود حالة من الارتباك صاحبت مسار تشكيل الحكومة، مردها غياب رؤية لهوية الحكومة ومكوناتها، من قبل الحزب صاحب التكليف وكذلك الرئيس المكلف.
دون أن نتغافل عن غياب برنامج للحكم، في تفاعل مع الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد، ونعني هنا خاصة تمدد الأزمة الاقتصادية التي تنذر بجعل البلاد على حافة الافلاس، بسبب تراجع تحمس المؤسسات المالية الدولة مثل صندوق النقد الدولي في مواصلة مرافقة تونس، وما سيكون له من تداعيات على الوضع الاجتماعي والاستقرار في البلاد، الذي هو بدوره أصبح “مهدد” في علاقة بتطورات الأزمة الليبية، التي أصبح سيناريو الحرب فيها مرجح جدا.
بالعودة للاجتماع الاستثنائي لشورى النهضة، وحينما نضعه في سياق المشهد السياسي العام في البلاد، المتسم بتراجع “هيمنة” حركة النهضة، بسبب التغيير الكبير في موازين القوى، وهي أولى نتائج انتخابات 6 أكتوبر 2019 التشريعية، التي أفرزت برلمانا فسيفسائيا ودون أغلبيات واضحة، مثلما حصل في انتخابات 2014، التي جعلت “التوافق” ممكن نظرا لوجود كتلتين قويتين، الى جانب وجود زعامة سياسية في حجم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، رفض “التغول” السياسي واختار الشراكة السياسية، لقناعة وفراسة سياسية مفادها أن المرحلة الانتقالية ما تزال تحتم “التوافق” لحسن ادارة الانتقال الديمقراطي من جهة، ولتحقيق التعايش بين الاسلاميين وبقية القوى الوطنية من جهة أخرى، وهو ما لم تقدره النهضة بعد انتخابات 2019.
وفي هذا السياق، عادت الحركة الاسلامية لإحياء فكرة “التمكين”، على حساب مراعاة السياق العام في البلاد، الذي كما بينا تغلب عليه مظاهر الأزمة الشاملة ( اقتصاديا واجتماعيا وكذلك أمنيا)، فضلا عن بروز مؤشرات عن وجود صراع خفي بين أجنحة الحكم، تغذت وستتغذى في كامل هذه العهدة، من وصول قيس سعيد للرئاسة، الذي لا يزال غامضا وله مشروع سياسي يهدد بنسف أسس الدولة وبالتالي ستكون له تكلفته الباهظة في علاقة بوحدة المجتمع واستقراره، وبموقع ومكانة تونس في نسيج العلاقات الدولية، خصوصا بعد تعدد مظاهر “العزلة” الدولية الناجمة عن حالة السبات الدبلوماسي في عهد الرئيس سعيد.
رغبة النهضة وجنوحها ل “التغول” في تشكيل الحكومة، يفسر ردة فعل بقية مكونات المشهد الحزبي والبرلماني، التي تسارعت في مرحلة أولى الى رفض الحكم مع النهضة في حكومة تشكلها، ثم انتقلت في مرحلة ثانية الى التحالف واعلان “معاقبة” النهضة عبر عدم منح حكومة الجملي الثقة في البرلمان، ما يعني سقوطها وبذلك – ولو تحقق هذا السيناريو – فستكون أكبر ضربة موجعة لحركة النهضة ، منذ عودتها للنشاط السياسي العلني والرسمي بعد ثورة 14 جانفي 2011، ستجعلها في “عزلة” سياسية في الداخل، وفي مزاج اقليمي ودولي بصدد التحول في علاقة بتيارات الاسلام السياسي.
كما أشرنا يظهر جليا أن مجال المناورة أصبح ضيقا أمام حركة النهضة، وأنها مقدمة على وضع سياسي جديد، نتيجة “أخطاء قاتلة” و حسابات ضيقة في تعاطيها مع تشكيل الحكومة، التي لو تحقق سيناريو اسقاطها في البرلمان، فان وزن الحركة في الداخل والخارج سيعرف تقلصا كبيرا ويفرض خارطة توازنات سياسية جديدة ستكون محددة في تشكيل المشهد السياسي المقبل.
أما لو اختارت النهضة سحب التكليف من الحبيب الجملي والذهاب نحو “حكومة الرئيس” وتحميل “الفشل” للرئيس المكلف الذي أثبت ضعفا كبيرا ونقصا في التجربة والمعرفة السياسية، فان هذا السيناريو سيكون أيضا في “طعم العلقم”، اذ بدوره سيؤثر على دور ومكانة الحركة في الدولة والمجتمع وأيضا في الخارج، فضلا عن أن خيار حكومة قيس سعيد غير مأمون العواقب، بالنظر الى غموض الرجل وتلويحه بمشروع سياسي اخر، ما يجعل من “حكومة الرئيس” مغامرة ستدفع ضريبتها النهضة أولا ثم بقية مكونات المشهد السياسي، خصوصا وأن حل البرلمان والذهاب لانتخابات سابقة لأوانها، من الورقات المرجحة في حسابات قيس سعيد وجماعته والشباب الذي من حوله.
Comments