الجديد

النهضة و "مناورات" تشكيل الحكومة

هشام الحاجي
تمكنت حركة النهضة من تتلافى بسرعة عثرة الانتخابات الرئاسية و استطاعت ان تتصدر الانتخابات التشريعية و هي نتيجة ستكون لها عدة تداعيات على مسيرة حركة النهضة من الداخل و على مستقبل التوازنات السياسية في تونس .
قد يقال الكثير في سياق الحد من “ايجابيات ” هذا “الانتصار” و لكن لغة الارقام هي التي تبقى اكثر مصداقية و دلالة .
ستكون لحركة النهضة اكبر كتلة داخل مجلس نواب الشعب حتى و ان كانت قد فقدت بعض المقاعد مقارنة بانتخابات 2014 .
و لكن هذه الخسارة تهون اذا ما قورنت بما خسره “المنافسون ” المباشرون . فقد اصبحت حركة “نداء تونس” و “الجبهة الشعبية ” اثرا بعد عين اذ لم ينقذهما من مغادرة مجلس نواب الشعب الا مقعد يتيم لكل طرف منهما و هو ما يعني ان حركة النهضة قد تجاوزت باقل الاضرار الممكنة سنوات المشاركة في الحكم و صعوبات سياق اقليمي و دولي لم تكن رياحه تجري لفائدة “الاسلام السياسي” .
لا شك ان ما حققته حركة النهضة في الانتخابات التشريعية لا يمكن باي حال ان يحجب ما يحمله معه من “رهانات ” ترتبط بالقدرة على تشكيل حكومة و على نيل ثقة مجلس نواب لا تمتلك فيه الحركة -نظريا- قدرة كبيرة على المناورة و نسج التحالفات.
كما  تنطلق فيه من “تخوفات” عديد مكونات ومتل البرلمان ، تخوفات يغذيها البعض بان التحالف مع حركة النهضة يمثل  بالنسية لأي حزب اقرب طريق لخسارة الوزن السياسي و السير نحو الاندثار علاوة على ان الخطاب الانتخابي لحركة النهضة قد ايقظ ” مخاوف ” الاطراف المحسوبة على ما قبل 14 جانفي 2014 منها بالخصوص وكذلك أحيا تخوفات حول نمط المجتمع ومدنية الدولة.
هذه الاعتبارات و بعض الحسابات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية هي التي تحكم على ما يبدو على تمشي حركة النهضة في ما يتعلق ب”مناورات” تشكيل الحكومة و ايضا ما يروج في الكواليس حول امكانية تفعيل الحوار الوطني من اجل تجاوز وضع يدرك الجميع دقته و هشاشته و خطورته .
حركة النهضة لا تبدو متحمسة لفكرة حكومة كفاءات لأنها تعتبر ان هذا الخيار من شانه ان يفقد الانتخابات معناها و قد يخلق ازمة شرعية للمؤسسات و لكنها قد لا تمانع من ان تمنح رئاسة الحكومة و اهم الوزارات لكفاءات مستقلة و هو ما من شانه ان يجعلها تصيب عدة عصافير بحجر واحد.
اذ يبعدها من مسؤولية المساءلة المباشرة عن الاخفاق اذا ما حصل في ظل صعوبة الوضع و هو ما يجعلها وفية لأسلوبها الذي اعتمدته منذ سنوات و الذي يعتبره خصومها “تملصا” و “تفصيا ” من المسؤولية. في حين يرى النهضويين في هذا الاسلوب “تضحية من اجل تحقيق اهداف الثورة “.
ان  التخلي عن المطالبة برئاسة الحكومة و اهم الوزارات لفائدة “الكفاءات ” يفتح القنوات بين النهضة و المنظمات الوطنية من ناحية  و يخفف من الضغوط التي تقوم بها بعض الاحزاب من ناحية اخرى اذ تكفي الاشارة الى موقف امين عام التيار الديمقراطي محمد عبو الذي عبر عن اعتزام حزبه البقاء في المعارضة الا في صورة ما اذا قبلت النهضة منح حقيبتي العدل و الداخلية للتيار الديمقراطي.
و هو موقف يبدو انه لم يرق لكل قيادات التيار الديمقراطي اذ اعتبر غازي الشواشي انه لا معنى “للبقاء فوق الربوة” .
هذه “الفجوة ” البسيطة في مواقف “التيار الديمقراطي” ستعمل حركة النهضة على توسيعها كما انها ستعمل بكل تأكيد على محاولة اعادة صفحات من تاريخ الالتقاء مع حركة الشعب التي كان احد اهم رموزها سالم لبيض وزيرا للتربية في حكومة “الترويكا” و هو ما يعني ان امكانية استعادة هذه الصفحات تبقى واردة .
نضيف الى ذلك جسور التواصل القائمة بين حركة النهضة و “ائتلاف الكرامة ” و التي تصل في نظر البعض الى حد الاندماج علاوة على عودة “الدفء” الى العلاقة مع حركة “تحيا تونس”.
ندرك ان هاجس تشكيل الحكومة لن يؤرق حركة النهضة و انها قد تكون اكثر انشغالا حاليا بمسالة الدور الثاني للانتخابات الرئاسية في ظل “خصومتها ” المعلنة مع نبيل القروي و تحفظاتها الهامة على قيس سعيد و هو ما قد يجعلها تنخرط في دعم حل لم تتضح معالمه و قد يكون يطبخ على نار باردة و بعيدا عن الانظار من اجل تجاوز مازق الدور الثاني باقل الاضرار.
 هشام الحاجي
 
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP