الهاشمي نويرة يسأل: مَنْ مِنْ مصلحته تغييب صراع البرامج ؟
بقلم : الهاشمي نويرة
إنّ المتابع لسيْر الحملة الإنتخابية يلاحظ بوضوح تامّ أنّ أيادٍ خفيّة تسعى ما أمكن لها أنْ تُلْغي كلّ ما من شأنه أنْ يُؤَدّي إلى جدل حول السياسات والبرامج والمواقف والغاية في ما يبدو لنا جليّة وواضحة وهي أنّ مِنْ بين المنافسين النافذين بسلطة الدولة أو بأشياء أخرى من لا يريد الخوض في أيّ شيء أو هو يريد تأجيل هذا الجدل إلى مرحلة لاحقة أي الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة لسبب أو لآخر.
هناك مَنْ يسعى وبقوّة إلى رِبْحِ المعركة مع البعض من منافسيه بغضّ الطرف عنه وبِحَمْلِ الناخب على نسيانه وبتغييبه بشكل من الأشكال ،إمّا بالسّجن أو بالنّفي أو بالتهميش الإعلامي أو بالتشويه وخَلْق الأراجيف وشيطنته، وما بقي من «المنافسين» سَهُلَ التعامل والتعاطي معهم لوجود تحالُفٍ واتّفاق مسبقين أو لاقتناع تامّ بانعدام الوزن الإنتخابي لهذا المنافس.
مِنَ البيّن إذن هذا الغياب الفعلي الكُلّي أو يكاد للحملة الإنتخابية التي تقوم على صراع البرامج والمواقف والأفكار.
وإنّ ما عاينّاه ونعاينه من مظاهر شكلية للحملة الإنتخابية في الشارع هو لمجرّد نَقْلِ الصورة واستغلالها في العالم الإفتراضي أي في وسائل التواصل الإجتماعي.
ولا يخفى أنّه في هذا العالم الإفتراضي تُخاض حربٌ حقيقيّة وفعلية وهي عادة ليست متكافئة وغير محكومة بالقانون ولا بالأخلاق بل هي «تُساسُ» بمنطق «الباندية» وقانون الغاب و«الأقوى»وهي حربٌ ستكون بها تونس أضعف وأكثر هشاشة سيادية لو كانوا يعلمون.
وخير دليل على ما نقول ما عشناه بمناسبة حلقات المناظرة التلفزية بين المتنافسين والتي شهدت غياب بعض المتنافسين كما أسلفنا الذكر ولم تسجّل للأسف أيّ جدل بين المتنافسين يمكّن المواطن من التقييم الموضوعي لهم والمقارنة بينهم حتّى يسهّل عليه تحديد اتّجاه صوته يوم الإقتراع.
كلّ شيء يسير وِفْقَ خطّة مُحْكَمَة الوضْعِ مسبقا تمّ بمُقتضاها اقتسام السلطة بين أطراف معلومة لا يجمع بينها أيّ شيء سوى تقديم مطامحها ومطامعها ونزواتها ومصالحها عموما على مصلحة الوطن والمواطن، وهي أطراف متحالفة مع بعضها ولكنّه تحالف تنعدم فيه الثقة بينهم لوعْيِ كلّ طرف من الأطراف المكوّنة له بما يُبْطنُه الطرف الآخر من إمكانية الإنقلاب والتراجع متى تغيّرت موازين القوى على الأرض فهم أدرى من أيّ كان بماضيهم الإنقلابي والتآمري.
المهمّ أنّنا نكاد نرى من خلال ما نشاهده من مظاهر «للحملة الإنتخابية» وما سبقها من تجاوزات ومن مساعٍ لتصفية الخصوم وما حفًّ ويحُفّ بها الآن من ممارسات مشبوهة وما قد يشوب عملية الإقتراع ذاتها من تلاعب غير مستبعد نكاد نرى ما تمّ التخطيط له بصدد التنفيذ ،وذلك من خلال المعاينات التالية:
ـ عملية انتخابية تتمّ في مناخ سياسي مفتوح على الإقصاء السياسي وعلى السير التدريجي بتونس إلى استبداد جديد.
ـ الإيهام بالقبول القانوني والمبدئي بالحرّيات العامة والجماعية مع إفراغها من محتواها العملي وفِي المقابل القضاء التدريجي على الحرّيات الفردية التي هي حجر الزاوية في المنظومة الليبرالية وهو ما سيؤدّي بالضرورة إلى سَحْقِ إرادة المواطن الفرد والتأسيس لنظام استبدادي لا مفرّ منه وهو آخر الهدايا التي يُمكن أن تُقَدَّمَ على طبق لجماعات «الإسلام السياسي» وبهذا تكون الإنتهازية في خدمة «الإستبداد الديني» أو هي في خدمة «الإستبداد المدني» الذي يهرول إليه مغامرو السياسة الجدد.
ـ مناخات الخوف التي بدأت تُخَيِّمُ على تونس جرّاء غموض المشهد وارتفاع مؤشّرات الفقر والأزمة الإقتصادية والتطبيع مع تنامي الجريمة المنظّمة وحتى الإرهاب وضرب الحرّيات العامة والفردية وازدياد منسوب الحقد والكراهية في المجتمع وتدنّي المستوى الأخلاقي والقيمي والخطاب السياسي والمجتمعي وانعدام يكاد يكون تامّا لدور النخبة والمثقّفين.
كلّ هذه المظاهر والمؤشّرات تؤكّد أنّ تونس مُقْدِمَة على سنوات عجاف قد تقضي على ديمقراطيتنا الناشئة أو هي قد تفتح ـ وهذا هو الأرجح ـ على «تسونامي» اجتماعي سيأتي على الأخضر واليابس وحينها لن يتمكّن الحالمون بالإستبداد «الديني» والدنيوي من الإفلات من قبضة شعب جائع وفقير.
وإنّنا ننظر بعين الرضى لما يقوم به الإتّحاد العام التونسي للشّغل من أفعال وأقوال لتجنيب تونس مثل هذا المصير المشؤوم والذي قد يأتي على مكاسب دولة الإستقلال بحقبتيها ويجهض حُلْمَ التونسي بحياة حرّة ينعم فيها بديمقراطية تدوم وتتوفّر فيها شروط الكرامة.
وإنّنا نطلب المزيد من الإتحاد الذي نراه الجهة الوحيدة في المجتمع التي يمكن أن تكون ضامنة للمضيّ قُدُمًا من أجل إرساء وتثبيت أسس الديمقراطية وسدّ الطريق أمام كلّ أشكال الإستبداد الذي يهدّد تونس.
وعندما نركّز على دور الإتحاد فإنّنا لا يجب أن نغفل كذلك على نظام المناعة الأصلي المتجذّر في المجتمع التونسي وهو المرأة التونسية التي استعصت وماتزال على كلّ مظاهر الرجعية والإنتهازية.
وبالطبع وإضافة لكلّ ما تقدّم فإنّ للدولة أجهزة عسكرية وكذلك أمنية تحميها حتّى وإن تراءى للبعض أنّ الإنتهازية اخترقت بعض زواياها.
ويبقى الضامن الأكبر ضدّ كلّ الإنحرافات هو المواطن التونسي متى قرّر أخذ الأمر بيده والمشاركة المكثّفة والإيجابية في الإنتخابات ومراقبتها عن قرب حتى لا ينحرف ذوو النوايا الإنقلابية بإرادة هذا المواطن في دَحْرِ واقتلاع الإنتهازية من جذورها .
الصحافة اليوم 10.09.2019
Comments