الوحدة الوطنية والتوافق .. وصفة الباجي قايد السبسي لإنقاذ الفخفاخ
المهدي عبد الجواد
لا يخفى على المتابعين التعثّر الملحوظ في تشكيل الحكومة. فقد صار الحديث على فشل الحكومة و عدم حصولها على الثقة علنيّا، و أضحت إعادة الانتخابات سيناريو وارد، خاصة بعد تقدم كتلة حركة النهضة بمشروع قانون تنقيح القانون الانتخابي، و دعا مكتبها التنفيذي هياكل الحركة إلى الاستعداد لإعادة الانتخابات، و هو نفس الشأن بالنسبة لحزب قلب تونس الذي دعا بدوره هياكل الحزب و مناضليه و لحنة الانتخابات الى الانعقاد استعدادا لإمكانية إعادة الانتخابات.
ما الذي حوّل الاستبشار بتكليف الياس الفخفاخ إلى تشكيك في النجاح؟ و ما هي الحلول المطروحة أمامه لتجاوز هذه العقبات؟
- حصار الاصدقاء
يجد الياس الفخفاخ نفسه محاصرا، برغبات الحزام السياسي الذي اختاره. فقد وضع نفسه منذ البداية تحت رحمتهم. فحسابيا لن يُمكّـــن الحزام السياسي الذي اصطفاه السيد المكلف من توفير العدد اللازم من الأصوات الذي يسمح له بنيل الثقة، إذ ان حركة النهضة(54 نائبا) والكتلة الديمقراطية (42 نائبا) وتحيا تونس(14نائبا) يبلغ بالكاد الــ (109) الضرورية لمرور الحكومة، مع إمكانية عدم موافقة 3 او 4 نواب من الكتلة الديمقراطية على منح الثقة، مثل المنجي الرحوي و فيصل التبيني و عدنان الحاجي.
هذه الأغلبية الهشّة، ستكون عائقا حقيقيا أمام حكومة الفخفاخ، لانجاز المهام التي حددتها لنفسها، و خاصة الإصلاحات الكبرى، كما ستكون عاملا من عوامل توتير الحياة البرلمانية، الذي سيكون عاجزا على استكمال الهيئات الدستورية، و سيكون أعجز على الدفاع على مشاريع القوانين و الإصلاحات التي تروم الحكومة تنفيذها.
يجد الفخفاخ نفسه مدفوعا دفعا، في اتجاه التراجع على ما جاء في ندوته الصحفية الاولى، تحت ضغط حركة النهضة و تحيا تونس و حركة الشعب، إذ عليه لضمان مرور حكومته ان يقبل بفتح باب المشاركة امام قلب تونس، و هو ان قام بذلك سيضمن أغلبية مريحة و لكنه سيخسر على أكثر من صعيد لعل أهمها:
- سيخسر المصداقية التي أراد بناءها بصفته “رئيسا” لحكومة الثورة، وسيخسر “المشروعية” التي أراد الاستيلاء عليها من شرعية الرئيس، و قد يخسر تبعا لذلك ثقة الرئيس نفسه، ناهيك على أنصاره.
- سيبدأ عهدته في صورة الرئيس المهزوز الذي يخضع لسطوة الاحزاب، و هو أمر ستستغله الاحزاب المشكلة لحزامه السياسي لمزيد الضغط عليه لكسب أكثر ما يمكن من منافع و حقائب وزارية، و خاصة في تعيينات عناصرها.
- السبسي في نجدة الفخفاخ:
يجد الفخفاخ نفسه في وضع معقّد، و لكن التاريخ يُسعفُه في الحقيقة بالحلول. فتاريخ تونس كان منذ فجر الاستقلال تاريخ “الوحدة الوطنية/القومية”. سياسة انتهجها الراحل الحبيب بورقيبة و نجح في الشروع في الاصلاحات الكبرى التي نعيش بعض ثمارها اليوم.
نفس الامر استحضره المرحوم الباجي قائد السبسي، الذي آمن بالتوافق الوطني، و أشرك معه حركة النهضة في الحكم، رغم إيمانه العميق بأنهما، هو و النهضة “خطان متوازيان لا يلتقيان”. و لكن المصلحة الوطنية هي التي كانت تقود تصوره للفعل السياسي بعيدا، على الرغبات و النوازع الشخصية.
و نعتقد ان راشد الغنوشي، الذي يهتم كثيرا بالاشتغال على الرمزيات، يروم استحضار المبادئ التي اشتغل عليها مع الباجي قائد السبسي، و من ثمة إصراره و إصرار حركة النهضة على ضرورة اشراك قلب تونس في الحكومة.
راشد الغنوشي، يرى نفسه في مرتبه “الكبار” و يُريد ان يُحسب له انه نجح في تكريس “الوحدة الوطنية” لا ان يلتصق به “تقسيم التونسيين”، لذلك يتمسك بتواصل فكرة “التوافق” مع”هيولى/ وظلال” النداء المنتشرة في تحيا تونس و قلب تونس و الإصلاح الوطني و المستقبل.
إضافة الى هذه الرغبة “النفسية” فان حسابات سياسية أخرى، تحضر في تمسك النهضة بمشاركة قلب تونس، إذ ان دخول القلب الائتلاف الحكومي سيضمن لها أغلبية مريحة و حزاما سياسيان قادر على تمرير مشاريع القوانين و الإصلاحات. هذا إضافة إلى انه سيكون “ائتلافا” مستقرا، غير خاضع لنزوات مكوناته، و البعض منها حديث العهد بالسلطة، و لا مشتركات فعلية بينها.
فالخلافات بين التيار و الشعب و تحيا كبيرة، و قد تنفجر في كل لحظة، ووجود قلب تونس و الاصلاح و المستقبل من شأنه التخفيف من شدة الاحتكاك بين المكونات التي اختارها الرئيس المكلف.
ان الباجي قائد السبسي، آخر رجالات بورقيبة الذين اسهموا في بناء الدولة و في انتقالها الديمقراطي، ترك لنا من خلال إدارته لنتائج انتخابات سنة 2014، فرصة للخروج من مأزق تشكيل الحكومة الحالية.معيارنا في ذلك التمسك بحكومة الوحدة الوطنية التي تهتم بالمصلحة العليا للوطن، بقطع النظر على الخلافات و الاختلافات.
حيا و ميتا فإن عهد الباجي قائد السبسي مازال متواصلا من خلال التوافق الوطني.
Comments