الوزير السابق فوزي بن عبد الرحمان يكتب عن “مشكلة المقدرة الشرائية”
فوزي بن عبدالرحمان
حول مشكلة المقدرة الشرائية كتب الوزير الأسبق فوزي بن عبد الرحمان على صفحته على موقع فيسبوك التدوينة التالية:
تدهورت المقدرة الشرائية باربعين بالمئة على الأقل منذ عشر سنين و هذا يعني ان العائلة التونسية فقدت تقريبا نصف قدرتها الشرائية في هذه المدّة.
النقاش يكاد يكون متمحورا على تخفيض إصطناعي للأسعار و طريقة التحكم فيها و إعادة النظر في مسالك التوزيع بطريقة سطحية. هذه السياسات ستفشل في تحسين القدرة الشرائية للأسباب التي سأذكرها.
تونس هي من المدن المتقدمة في العالم مقارنة بالأسعار العالمية (تجدون المرجع في الملاحظات). إنخفاظ الأسعار إستثناء و ليس قاعدة و عواقبه وخيمة مثل التضخم.
فيما يخص المواد الفلاحية، 40 بالمئة فقط من المواد تمر عبر مسالك التوزيع المهيكلة. القطاع الفلاحي في تونس لم يعتبر في دولة الإستقبال الي اليوم قطاعا إقتصاديا. و تكاد تكون كل معاملاته في الإقتصاد غير المهيكل. التحكم في هذه الأسعار مستحيل و لا يحل مشكلة عدم التوازن المريع للقيمة المضافة.
بالنسبة للتجهيزات و المواد الاستهلاكية الموردة فهي تستورد معها تضخما و تتأثر بقيمة الدينار. هذه المواد تمثل قسما هاما من إستهلاك العائلة التونسية (يكفي ان تمر في اروقة المغازات الكبرى لادراك نسبة المنتوجات المستوردة و تلك المحلية).
العمل على الأسعار و المسالك هام و لكن القدرة الشرائية تبقى مرتبطة بصفة أهم بمستوى الأجور و المداخيل و هذا النقاش يكاد يكون منعدما. القدرة الشرائية لعائلة تونسية متوسطة أقل بنسبة 7 إلى 10 مرات لعائلة متوسطة في بلدان الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.
أسعار الضفة المقابلة ليست اقل من أسعارنا و لكن نسبتها من الدخل أقل بكثير. قارن مثلا كم من أجرة شهرية ضرورية لشراء سيارة او دراجة نارية او منزل متوسط او تذكرة طائرة بين الضفتين و ستجد النسب المذكورة.
مستوى الأجور في تونس هو من أكثر المستويات تدنيا في إقليمنا الجغرافي حتى بالنسبة إلى بلدان مشابهة. و هذا له تفسيره الذي يرجع إلى البنية الإقتصادية و إلى منوالنا التنموي منذ عدة عقود و كذلك وجب التذكير به إلى مستويات متدنية للإنتاج و الإنتاجية.
أجور الإنتداب في القطاع العام أعلى من مستوى القطاع الخاص و لكن السيرورة المهنية لا تنعكس على تطور الأجور و الفرق بين اجر المنتدب الجديد و الموظف القريب من التقاعد لا يكاد يذكر مما يجعل القدرة الشرائية للموظف تنخفض بمرور السنين.
في القطاع الخاص، مستوى الأجور متدني جدا الا في بعض الاختصاصات و السيرورة المهنية تنعكس بصفة أفضل في مستوى الأجور و خاصة بالنسبة للإطارات.
الخلاصة من كل هذا أن المقدرة الشرائية هي مرتبطة بالأسعار طبعا و لكن التحكم فيها ليس بالأمر الهين و يحتاج إلى إعادة هيكلة للإقتصاد الوطني و هو مرتبط أساسا بمستوى الأجور و كذلك بمستوى الإنتاجية.
تحسين مستوى الأجور يقترن في أذهان العديدين بالتضخم و الحقيقة أن التضخم يقترن أساسا بضعف الإنتاجية و لا بالزيادة في الأجور.
مستوى الإنتاجية في بلادنا متدني جدا و لكن الحديث عن ذلك لا يعجب لانه يجرنا للحديث عن مشاكل صعيبة الإدراك و معقدة منها : منظومتنا التربوية و التكوينية، طببعة علاقاتنا الإجتماعية، طبيعة نسيجنا الإقتصادي، تركيبة منوالنا الإقتصادي، عقدنا الإجتماعي و ثقافة العمل في مجتمعنا.
خاتمة القول ان السياسات المعتمدة حاليا للتخفيض الإصطناعي و السياسي للأسعار لن تكون ذات جدوى مستديمة و لن تحسن القدرة الشرائية للمواطنين.
و هي لا تعدو إلا أن تكون مضيعة لوقت ثمين للتفكير الجدي و العقلاني لتطوير الإنتاج المحلي و تحسين إنتاجية العمل و تحسين مرتبط و هام لمستوى الأجور في بلادنا.
Comments