اليمن وسوريا: بين مآسي الحرب ومخاطر تفشيّ الوباء
شعبان العبيدي
تتواصل معاناة الشّعوب العربية منذ اندلاع ثورات الرّبيع العربي. والّتي كانت محمّلة لدى الغالبية من الجماهير الّتي لم تدرك حينها حقيقة سيرورة الأحداث وانتشارها من بلد آخر، ولا المحرّكات الخفيّة الّتي ألهمت نيرانها. ولكنّ هذه الآمال العراض و الانتظارات الكبرى الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية ممثّلة في تنفس هواء الحرّية والتمتّع بحقيقة المواطنة و معاني الكرامة والرّفاه والعدل الاجتماعي تهاوت وذهبت أدراج الرّياح، بعد أن أفضت بسبب انفتاح الأبواب أمام المغامرين السياسيين الجدد إضافة إلى أذرع الأنظمة الخارجية الخليجية والغربية رغبة منها في وأد هذا الرّبيع العربيّ و المحافظة على حكومات تابعة لها ومعاديّة لأيّ نفس ديمقراطي قد يمثّل نموذجا يؤرّق ديمومة كرسي الحكم للأمراء وفقهاء القومية العربية المؤمنة بديكتاتورية العسكر.
وتمثّل الوضعية السّورية واليمنية شاهدا على هذه الحالة من فشل ثورات الرّبيع العربيّ، حين انقلبت نارا على أهلها ودمارا على وجودها، حين تداخلت الأوراق، وتعدّدت أيادي اللاّعبين الرئيسيين في هذين البلدين. حتّى تحوّلا تحت المؤامرات العربية والإقليمية والدّولية إلى مسرحين لتنازع مشاريع دولية وصراع قوى كبرى بين إيران وحلفها ممثّلا في روسيا وتركيا وبين الولايات المتحدة. إضافة إلى غياب دور فعّال للجامعة العربيّة الّتي بقيت منقسمة في مواقفها من هذا الوضع المأسويّ لحسابات ذاتيّة واصطفاف سياسيّ مع الثّورة أو ضدّها.
تتواصل إلى اليوم المعارك الضّارية على كلّ الواجهات في اليمن، في عاصمة الجوف، وترد أخبار عن قتلى وجرحى في صفوف الحوثيين، في مقابل إعلان جماعة الحوثيّ اقترابها من معسكر استراتيجي في مأرب. وتواصل إطلاق الصّواريخ باتّجاه الرّياض. بعد أن فشلت المحادثات السريّة بين الحكومة السعودية وبين الحوثيين لإنهاء الحرب، وإدراك الطرف السّعوديّ للمأزق الذي وجد نفسه فيه، مع تصاعد لهجة أمريكا بعد المضاربة بين روسيا والسّعودية في ترفيع طاقة إنتاج النّفط. مثلما تؤكّد الأخبار اليوم استهداف القوّات الحوثية المدعومة إيرانيا للقطاعات الحيوية في العاصمة خاصّة القطاع الصحيّ وما يعيشه الإطار الطبيّ من اعتداءات تحت ذريعة مواجهة فيروس كورونا. بعد أن بدأ هذا الوباء ينتشر في اليمن، ومن المخيف أن يتفاقم فيعصف بآلاف الأرواح في العراء والفقر وغياب كلّ مقومات الحماية والحياة والرّعاية الطبيّة أمام ضعف المنشآت الطبيّة وانهيارها وافتقادها لكلّ مقومات الرعايّة.
وبالمثل ما يزال الشعب السّوري سواء تحت حكم السلطة المركزية أو في الشمال والمناطق للمعرضة في إدلب أين يتواجد آلاف النّازحين واللاّجئين، وهو ما حذّر منه السّفير الأمريكي لدى البحرين في تغريدة له على موقع التواصل تويتر ” إن كنتم تعتقدون أنّ نيويورك لها مشكلة. انتظروا فقط حتّى يضرب كوفيد الملايين من النّازحين واللاجئين في سوريا ولبنان والعراق واليمن وكينيا وغزّة”. ورغم هذه الوضعية المأسوية وتفاقم المعاناة الّتي قضت على كلّ مقوّمات الحياة الماديّة والنفسية بالنسبة إلى الشعب العربي السوري، مازال النّظام يصمّ أذنيه عن دعوات الأمين العام للأمم المتّحدة وتحذيرها من مخاطر انتشار الوباء بين صفوف اللاجئين والمشردين والسجناء في وضعيات لاإنسانية، وضرورة إطلاق سراحهم.
تزداد مخاوف السوريين والمجتمع العالمي في تفشي فيروس كورونا في هذين البلدين خاصّة مع إعلان وكالة الأنباء السورية وفاة سيّدة بكوفيد 19 في 1 أفريل، وفرض النّظام الحجر الصحيّ على قرابة 753 مواطنا في طرطوس، في حين قام وزير الصّحة بعزل مدينة “منين” وفرض حظر التجوّل وإغلاق المحلاّت وكلّ المرافق كإجراء وقائي بعد إقراره بالتفطّن لخمس حالات من الإصابة، فيما يتّهم الأطباء والخبراء نظام الأسد بالتستّر على انتشار هذا الوباء. وهو الذي لم يعترف في البداية بحقيقة هذا الوباء.
بل أقرّه موقع ” الدّرر الشاميّة” من خلال اعترافات لمواطنين سوريين أنّ الحديث عن كورونا أصبح تهمة تعاقب عليها أجهزة الاستخبارات. وعوضا عن التّوجه إلى مواجهة هذا الخطر الذي يداهم مجتمعا متداعيا، فاقدا للبنية التّحتية الصحيّة ووسائل الوقاية والعلاج بسبب الحرب وكذلك بسبب الحظر الدّوليّ، نرى أن نيران الحرب مازالت هي الأوليّة، سواء من خلال التصدّي الأخير من خلال الدّفاعات الجويّة السّورية لصواريخ أطلقتها الطائرات الإسرائيلية أو من خلال تحريك تعزيزات عسكرية ضخمة للجيش النّظامي في إتّجاه مدينة حلب.
ونحن نعتبر هذا الصلف على واجهتي الحرب العربيتين ضربا من عدم المسؤولية وغيابا لأيّ شعور سياسيّ بضرورة حماية هذين الشعبين، يدعو كلّ القوى المتنازعة التي استنزفت الأرواح والممتلكات والثروات البشرية والماديّة من أجل تحقيق نزوات سياسية إلى إيقاف أصوات الرّصاص ولهيب الحرب، والتوجّه حاليا إلى مقاومة هذا الوباء الخطير المنذر بتدمير ما تبقى.
كما أنّه على البلدان العربيّة الّتي ساهمت في إشعال فتيل هذه الحروب أو واجهتها بالصّمت و الحيادية السلبيّة أو الاصطفاف، وكذلك المجتمع الدّوليّ الّذي انغلق فيه كلّ قطر على نفسه، ولم يفق إلاّ أخيرا على ضرورة مواجهة هذا الوباء عن طريق التعاون الدّوليّ لأنّ ألم الغير يكشف مرارة غياب الوحدة الإنسانية في مواجهة الموت وهي مسؤولية أخلاقية ، توجيه اهتمامه للشعبين في سوريا واليمن، والعمل على توفير أسباب الوقاية والعلاج لمواجهة انتشار الفيروس قبل أن يتحوّل إلى وباء حقيقي يجد كلّ مقوّمات السريان و مزيد استنزاف الأرواح في بيئة حربيّة فاقدة للمناعة و وسائل المقاومة.
ولعلّ هذه الجائحة الّتي بدأت تظهر بوادر مراجعات دوليّة و تغيرا في التّوازنات و العلاقات، تكون بعد القضاء عليها فاتحة مرحلة جديدة للبلدان العربيّة حتّى تدرك أنّ الدّولة الّتي لا تحمي الإنسان فيها ولا تطلق يديه لحريّة الإبداع والفعل والمشاركة في بنائها، بعد أن هجّرت طاقاتها وأبنائها بين كلّ بلدان العالم أين وجدوا مناخا لتأكيد ذواتهم و فضاء للاعتراف بكفاءاتهم، وهم اليوم في الصّفوف الأولى بين أطباء العالم في كلّ من أوروبا وأمريكا، لا يمكن أن تكون جديرة بالاحترام والبقاء.
Comments