الجديد

انتخابات أمريكا… الانقسام العربي

خديجة زروق

يتواصل الشدّ والجذب في أمريكا في علاقة بنتائج الانتخابات. فكلا المترشحين يُعلنُ فوزه بها، وسط تصريحات متناقضة، بلغت درجة غير مسبوقة تُهدّدُ برفض نتائج الانتخابات أصلا. ويبدو أن الرئيس الأمريكي المُتخلي ينوي التوجه إلى المحكمة العليا في حالة الهزيمة و استعمل خطابا شبيها بخطابات ببعض المترشحين في “الديمقراطيات الإفريقية”. هذا الانقسام الحاد في أمريكا يتجاوز صراع مترشحين للبيت الأبيض وصراع حملتيهما ليتحوّل الى انقسام حاد يشقّ المجتمع الأمريكي.

وإن كان ذلك رغم غرابته، من النتائج الطبيعية لتطور المجتمع الأمريكي وديمقراطيته والتحولات التي تعيشها “النّخب” الأمريكية ووسائل الإعلام في مجتمع أمريكي، مُتحوّل بين لحظتين حضاريتين كبيرتين. ثمة صراع بين النّخب التقليدية التي يُمثلها جز بايدن والتيار الشعبوي المُتضرر الذي يقوده ترامب. ثمة مفارقة كبيرة إذ ان الفئات الأقل هشاشة تجد في خطاب ترمب الشعبوي والفوضوي بعض عزاء. يعيش الأمريكيون عصر عولمة لبرالية حادة، لها تأثيراتها على العلاقات التقليدية وقيم المجتمع وخاصة أنها تحت تأثير وسائل الإعلام الرقمية.

ان كان هذا مفهوما في أمريكا حيث يتهم ترامب وسائل الإعلام بالوقوف مع خصمه، بل اتهم الفايسبوك والتويتر بعدم الحياد، فإن وسائل الإعلام العربية وحتى بعض النّشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي وقعت نفسها تحت سطوة هذا الاستقطاب الحاد.

القنوات القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة الإخبارية تقف بقوة مع المُرشّح الديمقراطي جو بايدن. الأمر مفهوم، لان بايدن كان نائب الرئيس الأمريكي باراك اوباما، الذي تمت في عُهدته رعاية الربيع العربي وحماية ثوراته. ثورات أتت بالإسلام السياسي في أكثر من بلد الى سدّة الحُكم، وسمحت لقطر وحلفائها وخاصة تركيا والإخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس وحتى المغرب من الوصول إلى السلطة.

ورغم تعثّر هذه المسارات الانتقالية والحصار التي تعيشه قطر وحالة التخبط التي عليها اردوغان في تركيا، فإن جو بايدن وعد بكونه سيقوم بــ “عقد مؤتمر لحماية الديمقراطية، وأنه سيعمل على ترسيخها في العالم”. وعد انتخابي حيوي لقطر وللإسلام السياسي، خاصة وان ترامب أهمل هذا الملف واعتبره ملفا ثانويا لا يعني امريكا. وقد عبّر القيادي النهضاوي رفيق عبد السلام على “خوف أعداء الديمقراطية من سقوط ترامب”، بما يشي بكونه يُفضّل انتخاب بايدن، وهو أمر منطقي لان تونس عامة وحركة النهضة خاصة تحتاج دفعا خارجيا قويا ليس أفضل فيه من”حماية” أمريكية لمسارها الديمقراطي المُتعثّر.

في المقابل تعمل القنوات المُرتبطة بالإمارات العربية المتحدة على دعم ترامب، فقنوات العربية وشبكة السكاي النيوز تبدو حريصة على تقديم ترامب كمرشح مُفضّل. فترامب الذي جعل من المصالح الأمريكية وخاصة في ارتباط بإسرائيل قضيته الأساسية، خلق حلفا عربيا جديدا بزعامة الإمارات المناهضة لقطر، حلف يتوسّع يوميا بتزايد إعداد الدول الراغبة في التطبيع مع إسرائيل.

ونحن نعرف ان الإمارات العربية المتحدة، تتموقع على النقيض من “الربيع العربي” وفي عداء صريح لحركات الإسلام السياسي والإخوان المسلمين. ترامب هندس طريقة جديدة في العلاقات الدولية قوامها “المصلحة” وأساسها “البزنس” والمال، دون مراعاة لأي شي آخر. هذه المُقاربة البرغماتية جعلت أنظمة عربية كثيرة على رأسها الإمارات تتعامل معه بنفس المنطق، لذلك تحتاج لوجوده مدة أخرى لإتمام هذه التفاهمات الكبيرة.

هذا الانقسام في وسائل الإعلام العربية الرسمية نلاحظه أيضا في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ ينقسمُ المتابعون بين المرشحين الأمريكيين، فالإسلاميون و أنصار الربيع العربي يُخيرون بايدن، أما خصومهم فيُفضلون ترامب. انقسام رصدناه في الحقيقة حتى في الإعلام الأوروبي وعند المواطنين الأوروبيين. إنها انتخابات عالمية تهمّ كل الشعوب والأمم، لان أمريكا ترتبط ضرورة بكل العالم على كلّ الأصعدة، وهو ما يجعل انتخاب رئيس أمريكا انتخابا “رئيس العالم”.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP