انتخابات تركيا .. صراع على هويتها الجيوسياسية
التونسيون- تحليل
تركيا اليوم، 14 ماي 2023، تعيش أكبر “نزال انتخابي”، سيحدد لا فقط مستقبل وخيارات البلاد خلال السنوات المقبلة، بل أنه استحقاق محلي برهانات اقليمية ودولية عالية السقف. كما أنه يعد استفتاء حول سنوات حكم الرئيس التركي أردوغان، الذي يحكم البلاد هو وحزبه الاسلامي/ المحافظ ( العدالة والتنمية )، منذ عقدين من الزمن، في مواجهة معارضة تكتلت عليه ومصممة على اسقاطه وانهاء تجربته في الحكم وفي قيادة البلاد، ازاحته من العرش واحداث انعطافة استراتيجية في سياسات أنقرة، عبر الاتجاه أكثر نحو الغرب بقيادة أمريكا، – هذا الغرب الذي أصبح يريد تركيا دون أردوغان – على خلاف ساكن القصر الرئاسي عالي الرفاه و البذخ في أنقرة، الذي يريد مزيد “التمكين” لأركان حكمه وخياراته الجيو- بوليتيكة، الساعية لتثبيت موقعه ومكانة تركيا كلاعب رئيسي في تحديد مآلات الجيوبوليتيك الدولي الآخذ في التشكل.
الاعلام الدولي الذي تابع الاستحقاق الانتخابي، أشار وان بطرق ومقولات مختلفة الى أن أنقرة مقبلة على “عهد جديد”، ففوز المعارضة التركية قد يؤدي إلى إحداث تحول جذري في بعض السياسات الخارجية لا سيما في القضايا الأكثر حساسية كالعلاقة بين روسيا والغرب والدور المستقبلي لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أردوغان في مواجهة كليجدار أوغلو: تركيا أمام نهجين مختلفين
وبالمناسبة، فلن تقارير الاعلام الغربي كشفت عن الحماسة التي أبدتها وسائل الإعلام الغربية في تغطيتها المنحازة لصالح المعارضة، تعكس في الواقع الآمال العريضة التي يضعها الغرب على هذه الانتخابات.
حيث يعتقد الغرب ببساطة أن تركيا بدون اردوغان ستعود صديقة مخلصة للغرب وستتخلى عن روسيا وستُصبح «أقل عدوانية واندفاعة» في سياستها الخارجية.
بعد قرن على تأسيس الجمهورية، يدلي الناخبون في تركيا المنقسمة بأصواتهم في أجواء من الاستقطاب الشديد بين المرشحين الرئيسيين أردوغان وخصمه كمال كليجدار أوغلو، فما هي الفروق بين نهجيهما؟
أردوغان المتربع على السلطة منذ عشرين عاما و كمال كليجدار أوغلو مرشح تحالف واسع من المعارضة. سلطة رجل واحد أو وجهة جماعية: سلطوية أو الإعادة الموعودة لحكم القانون: هناك مستقبلان محتملان وخياران للمجتمع مفتوحان في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة والمقسوم أكثر من أي وقت مضى.
اسطنبول في مواجهة أنقرة .. الأردوغانية في مواجهة الأتاتوركية
بين أردوغان (69 عاماً) الذي يريد البقاء في السلطة و كليجدار أوغلو (74 عاماً) لا يتعلق الأمر بجيل بعينه، إنما بأسلوب وقناعة. رئيس الدولة المتحدر من عائلة متواضعة في حي شعبي في إسطنبول متدين محافظ ينادي بالقيم العائلية ولا يزال يتصدر الغالبية المحافظة التي لطالما ازدرتها نخبة حضرية وعلمانية.
كان أردوغان رئيس بلدية إسطنبول السابق (1994-1998) ووصل الى السلطة عام 2003 بعد فوز حزب العدالة والتنمية (إسلامي محافظ) الذي أسسه في السنة السابقة.
أما كمال كليجدار أوغلو الذي ولد في أوساط متواضعة في ديرسم (تونجلي حاليا) في شرق الأناضول فهو خبير اقتصادي وموظف رسمي سابق، ترأس الضمان الاجتماعي التركي.
يرأس كليجدار منذ عام 2010 حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي، ديموقراطي) الذي أنشأه مؤسس الأمة التركية مصطفى كمال أتاتورك الذي لطالما دعا لعلمانية مشددة.
ما يدل على قناعاتهما المختلفة، أنهى أردوغان حملته مساء السبت أمام كاتدرائية آيا صوفيا في إسطنبول، التي حولها الى مسجد في 2020 فيما انهى منافسه حملته في أنقرة أمام ضريح أتاتورك.
وينتمي كمال كليجدار أوغلو إلى الطائفة العلوية وهو ما كان يعتبر منذ فترة طويلة عقبة محتملة أمام انتخابه. لكن مرشح المعارضة عرف كيف يلتف على هذه العقبة وذلك في شريط فيديو تطرق فيه إلى هذه المسألة، ونال أكثر من مئة مليون مشاهدة على تويتر.
عرف كليجدار أيضا كيف يطمئن بعض المحافظين واعدا بقانون يضمن للنساء حق وضع الحجاب.
أردوغان، المحارب الذي لا يكل، يعرف كيف يحرّك الحشود، يصعّد لهجته ويستخدم الشتائم وحتى الإهانات وينعت خصمه بـ “الإرهابي”، عن المروجين لحقوق مثليي الجنس يندد بمؤامرة غربية، ويمكنه التحدث على مدى أكثر من ساعة على المنبر حتى ثلاث مرات في اليوم.
يدافع أردوغان عن أدائه وتنمية البلاد والبنى التحتية خلال عقدين من حكمه – – لكنه يتعثر بالأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد – مع تضخم لا يزال يفوق نسبة 40 بالمائة وعملة انخفضت قيمتها الى النصف في سنتين.
أما كليجدار أوغلو فقد فضّل إشراك آخرين في تجمعاته الانتخابية وغالبا ما كان يرافقه على المنابر رئيسا بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وأنقرة منصور يافاس وهما من حزب الشعب الجمهوري إلى جانب قادة من حزبه، ولا يتكلم كثيرا.
Comments