انتخابات تونس: قلق مجتمعي .. و هروب من السياسة
منذر بالضيافي
وانا التقي بالناس، من كل الطبقات والفئات، ألمس حالة قلق كبيرة، قلق اجد له اكثر من مبرر، عندما أتأمل وضع البلاد، أصاب ايضا بالخوف الشديد حد الذعر، وهذا ليس مبالغة، لان كل المؤشرات والارقام الاقتصادية في انهيار ساحق، والتي ترجمت في الواقع المعيش، من خلال ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم و كذلك فقدان بعض المواد الأساسية.
تزداد الحالة سوءا في علاقة بما يصدر عن الجهات المالية الدولية، سواء مؤسسات الترقيم السيادي، او ما يصدر من تقارير عن البنك الدولي، والنقد الدولي، الذي يتلكأ في منح البلاد جرعة اوكسجين لا للخروج من الازمة، بل للتنفس والبقاء على قيد الحياة.
لكن ما يصيبني بالذعر اكثر، ليس الأزمة في حد ذاتها، خصوصا و أن الكثير من أسبابها يتجاوز بلادنا، بل هو حالة السلبية واللامبالاة التي عليها النخب في الحكم والمعارضة، وحتى لدى ما يسمى ب “قادة الرأي “، ومنظمات المجتمع المدني واساسا الاحزاب، حيث يستمر الصراع ” السياسيوي ” الذي مداره الصراع حول السلطة.
في المحصلة ادرك يوميا ان ” النخب” في واد و ” المجتمع” في واد، وهذا ما يفسر المقاطعة المجتمعية الواسعة للانتخابات، التي تعبر عن موقف رافض للنخب وتحديدا للطبقة السياسية.
و لا ارى – برغم هول الوضع الذي تمر به البلاد، ان الفاعلين في المشهد السياسي مدركين لحجم المخاطر التي ستفتح علينا ابواب جهنم، لو استمرت ادارتنا للازمة على ما هي عليه الان.
في المحصلة ادرك يوميا ان ” النخب” في واد و ” المجتمع” في واد، وهذا ما يفسر المقاطعة المجتمعية الواسعة للانتخابات، التي تعبر عن موقف رافض للنخب وتحديدا للطبقة السياسية.
ان الازمة الاقتصادية ، وما صاحبها من تضخم وارتفاع للأسعار وخاصة المواد الأساسية، وخيبة الامل المجتمعية الكبيرة من حصاد مرحلة ما بعد الثورة، او ما اصبح يسميها البعض ” بالعشرية السوداء”، في اشارة الى ضعف المنجز الاقتصادي والاجتماعي.
وهو ما جعل التونسيين يهجرون الاهتمام بالشأن العام، خاصة الاهتمام بالحياة السياسية والانخراط في الاحزاب ، وهي في الواقع ليست ظاهرة تونسية فقط بل نراها في عديد بلدان العالم بما في ذلك الراسخة في الديموقراطية.
وهذا العزوف عن متابعة الشأن العام، برز جليا في ضعف المشاركة في الانتخابات الأخيرة في دورتيها وهو ما بدأ حتى في المواعيد السابقة، وايضا “مقاطعة” التظاهرات الاحتجاجية التي دعت اليها المعارضة مؤخرا.
وضع يصب – ظرفيا – في مصلحة السلطة السياسية القائمة، برغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها في ادارة وتسيير الدولة، وخاصة في الملف الاقتصادي والمالي، والذي نقدر انه سيجد طريق للحد منه، بعد الافراج عن قرض صندوق النقد الدولي، بما يسمح بتأمين سير مقبول فيه استجابة لحاجيات الناس، الذين هم في طريقهم للتطبيع مع الوضع المستجد.
خصوصا مع بداية القبول بنهاية الوفرة الاستهلاكية، لصالح تأمين الضروريات والحاجيات الاساسية ، وهو ما بدأنا فعلا نراه في المجتمعات الغربية الاستهلاكية، التي بدأت تواجه واقعا غير مألوف بالنسبة لها، ويرجح ان يستمر ويتمدد مع استمرار الحرب الروسية الاوكرانية، واقرار كل مراكز البحث والمؤسسات المالية الدولية، بأن العالم مقبل على انكماش اقتصادي كبير .
الذي ستضرب تداعياته بقوة في البلدان الهشة ومن بينها تونس، وهو ما سيقدم حجة للحكم بأن الازمة تتجاوز حدود امكاناته الداخلية، ولن تكون بالتالي الأوضع الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية ، ورقة بيد المعارضة الفاقدة للحاضنة الشعبية للضغط على النظام الحاكم، الذي يحظى بسند أجهزة الدولة والادارة.
وهنا نقدر أن النظام الحالي لن يتراجع ولن يتوانى على توظيف الظرف الحالي لصاله و في التمكين لخياراته، وفي المضي في تنزيل “مشروعه السياسي”، الذي ستكون اولى ضحاياه الحد من الحريات والديموقراطية وبالتالي تراجع المشاركة السياسية.
وبالتالي العودة الى مربع دولة ما قبل الثورة، التي تتحكم في المجتمع عبر احتكار العنف الشرعي، على غرار ما يميز كل العالم العربي، الذي استعاد بعد “عشرية الربيع العربي” التي نجح النظام الرسمي العربي – لحد الان – في غلق قوسها، في انتظار جولات قد تأتي وقد لا تأتي.
Comments