انتخابات في مهب ريح التعديلات… بقلم سامي بن سلامة
سامي بن سلامة
نشر الخبير في الانتخابات والمتابع عن قرب للمشهد السياسي سامي بن سلامة مقالا حول المشهد الانتخابي عشية الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي لم يعد يفصلنا عن فتح باب الترشحات لها الا 10 أيام ومع ذلك نلاحظ ارتباكا في أداء الأحزاب فضلا عن غياب للأأجواء التي ترافق عادة المواعيد الانتخابية . كما أشارالى أن التعديلات التي أدخلت على القانون الانتخابي هي التي تفسر هذا الارتباك وتنذر بافشادها أصلا.
في ما يلي نص المقال الذي نشره بن سلامة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
قبل 10 أيام فقط من فتح باب الترشحات للانتخابات التشريعية التي تفصلنا عنها أشهر قليلة، لا وجود لدى الأحزاب السياسية التونسية ما يفيد بإقبالها على خوض غمار انتخابات بتلك الأهمية ستحدد مصير البلد لخمس سنوات مقبلة .
يخال المرء نفسه أمام أحزاب موسمية لا تفتح أبوابها كامل السنة وتفضل العمل الفيسبوكي والحضور في البلاتوهات الإذاعية والتلفزية على العمل الميداني، إذ يخيم الصمت المطبق على الجميع.
لا حركية لافتة ولا شيء يفيد بوجود استحقاق انتخابي مصيري قبل نهاية السنة، فلا اتصال بالناخبين ولا تحركات في مناطق الجمهورية ولا إجتماعات شعبية.
وباستثناء حزب حركة النهضة الدائم النشاط على كامل أيام السنة، وحدها زعيمة التجمعيين السابقين عبير موسي تتحرك وفق الفهم التقليدي لدور الأحزاب السياسية.
إذ ينهض حزبها الدستوري الحرّ من رماده ويقوم بالنشاط المتعارف عليه لدى الأحزاب السياسية في مختلف دول العالم.
تطوف موسي منذ مدة مناطق البلاد بكاملها وتحرثها طولا وعرضا بحثا عن أنصار حزبها السابق في محاولة لحشدهم خلف هدفها في الفوز بالانتخابات المقبلة.
وهي وسط سخرية لاذعة من مناهضيها وانتقاداتهم العنيفة لشخصها ومسيرتها ومحتوى خطابها تعقد الاجتماعات الشعبية بأنصارها ولا تخشى دخول مناطق النفوذ السابق للدستوريين والتي عرفت بتصويتها المكثف لحركة النهضة منذ الثورة.
بقيت موسي وفية للمستبد السابق بن علي الذي لم يكن يحبذ الظهور العلني ولا يمتلك أبجديات الخطاب المباشر مع الجماهير حتى أننا كنا نقول في تسعينات القرن الماضي أن هبوب ريح بسيطة تحمل الورقات التي يقرأ منها في خطاباته كان كفيلا بتعريته وإسقاطه. ولكنها تختلف عنه كثيرا من حيث إجادتها فن الخطابة والتلاعب بالجماهير وهي تقتدي في ذلك بالزعيم الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية.
وتحيي بذلك تقاليد عرفتها تونس قبل الاستقلال وبعده في الاتصال المباشر بالمواطنين رغم تعرضها في عديد الأحيان لمحاولات طرد وإعتداء يرجح أنها بدفع من قبل بعض المنافسين.
في الأثناء وفي غياب مؤشرات على اقتراب منافسة انتخابية مهمة، تحبس تونس أنفاسها وتنتظر قرار رئيس الجمهورية فيما يتعلق بالتعديلات المدخلة أخيرا على القانون الإنتخابي، إما بالختم أو بالردّ.
أثرت التعديلات غير الدستورية الأخيرة على المناخ الانتخابي وعلى ثقة الفاعلين السياسيين ببعضهم البعض رغم امكانية إسقاطها، حيث تسببت في تعفين الأجواء السياسية بعد أن نشرت غيمة من الشكوك وأنتجت سيلا من الاتهامات المتبادلة.
انعكس ذلك على المواطن التونسي العادي قلقا وتوجسا ورغبة في الانتقام ممن خذلوه وأساؤوا إدارة المرحلة، خاصة وأنه يشاهد بلده يغرق في أتون أزمة إقتصادية خانقة يعجز الحاكمون على إيجاد حلول لها ويمضون الوقت المتبقي لهم في السلطة في مناورات تهدف إلى إقصاء بعض منافسيهم الخطرين.
يجعله ذلك يخشى على مصيره أكثر من خشيته على مآل الانتخابات المقبلة، فالأوضاع غامضة والبلد على كف عفريت خاصة إثر تتالي الاختراقات الأمنية في الأسابيع الأخيرة وتكاثر عمليات اقتراب الارهابيين من قلب المدن.
تواجه تونس مرحلة دقيقة من تاريخها وتسعى المنظومة الحاكمة التي بناها بتفاصيلها حزب حركة النهضة واستفاد منها كثيرا في اختراق الدولة واضعافها تمهيدا لإسقاطها إلى تفادي السقوط بدوره في الانتخابات المقبلة ولو كان ذلك بتغيير قواعد اللعبة بما يضمن مصالحه.
لا شيء يضمن أن يستفيد حزب الحركة من تلاعبه بالقوانين ومن وضع بعضها على المقاس، إذ أن الناخب التونسي الذي صوت له منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011 بصدد التغير، كما أن انضمام أكثر من مليون ونصف المليون ناخب جديد من شأنه التقليص من حجم قاعدته الانتخابية المتقلصة أصلا.
خلافا لمختلف المراحل الانتخابية السابقة لا شيء مضمون في المرحلة ومن المنتظر أن يؤثر التصويت العقابي الانتقامي على خيارات الناخبين.
يخشى حزب حركة النهضة من هزيمة مدوية تؤثر على مركزه وعلى شبكات المصالح التي بناها في المرحلة الفارطة. وهو يختفي منذ فترة خلف حزب الحكومة الجديد ويستغله في جميع المهام “القذرة” الرامية إلى ضرب المنافسين السياسيين والحد من انتشارهم ومن قدرتهم على الفوز.
يسعى حزب الحركة إلى إدامة حالة عدم الإستقرار وإلى بث الانقسام والفرقة صلب مختلف التيارات السياسية وهو مصر على عدم استكمال المؤسسات المنبثقة عن الدستور الجديد وإلى المحافظة على سيطرته على بعضها.
من المنتظر أن تمثل الانتخابات المقبلة امتحانا حاسما لهيئة الانتخابات التي بدت التعديلات الجديدة وكأنها تهدف إلى عقابها بعد تجرؤها على تغيير التوازنات الانتخابية بتسجيلها لعدد مهول من الناخبين الجدد.
لم تحض الهيئة بثقة الجميع مطلقا منذ انشائها في نسختها الثانية سنة 2014، نظرا لخضوع تركيبتها لمحاصصة حزبية وللتجاذبات السياسية الكثيرة التي تشقها وللشكوك الكثيرة التي أحاطت بعملها والتي أثبتتها قدرتها مؤخرا على تسجيل الناخبين عندما توفرت الإرادة في ظرف زمني قصير.
ولكن ولأول مرة يتم المخاطرة بإنزالها عمدا من موقعها كحكم “محايد” فوق الحلبة إلى موقع اللاعب الذي يتلقى الضربات من بقية المتنافسين.
حشرت التعديلات الجديدة الهيئة وسط الحلبة ومتعتها بسلطات غير مسبوقة وغير مأمونة العواقب تهدف في الواقع إلى توظيفها في الحرب المندلعة بين أصحاب السلطة ومنافسيهم المباشرين. وهي تعديلات إجرامية فعلا إذ تمثل ضربة كبيرة لها ولمصداقية ونزاهة الانتخابات المقبلة، حيث لا يمكنها إعداد نفسها والتفاعل معها وتطبيقها في المدة القصيرة المتبقية دون تحمل اتهامها بخرق مبدأ المساواة بين المرشحين وبالانحياز لطرف دون آخر ودون أن تجد نفسها ضحية للتلاعب وهو الأمر الأخطر في حرب ملفات ضارية بين المتنافسين.
يمكن لرئيس الجمهورية تفادي ذلك إن فكر مليا في مصلحة الوطن، فختم مشروع القانون الجديد سيضر بالانتخابات المقبلة وبالإدارة الانتخابية ولن يفيد الوطن إطلاقا تحطيم ما تبقى من مصداقيتها وثقة الناخبين فيها وردّه سيمكن من تأجيل تطبيق فصوله إلى ما بعد الانتخابات التشريعية على الأقل وسيمكن على الأقل من حماية الانتخابات المقبلة ومن إجرائها في ظروف أفضل بكثير.
ومع كل الإحترام الواجب لشخص رئيس الجمهورية ولمنصبه، فإنني أدعوه شخصيا إلى عدم الالتفات للضغوطات والعروض والصفقات التي يسعى البعض لتجسيمها خدمة لمصالحه الحزبية الضيقة. وإلى التفكير مليا كرئيس لكل التونسيين في مستقبل الانتقال الديمقراطي وفي المصلحة الوطنية الأكيدة في أن تدور الانتخابات المقبلة في أفضل الظروف باحترام مبدأ تساوي الفرص.
انتخابات تمكن المواطن التونسي من اختيار مرشحيه بكل حرية وفي كنف المسؤولية وبدون وصاية من أحد وبالأساس حفنة المغامرين الذين لا تهمهم تونس ولا مصالحها بقدر ما تهمهم مواقعهم ومصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة.
Comments