انتخابات 2019… الشعب يعاقب حكامه
عماد بن عبد الله السديري
لم تكن انتخابات الأحد 6 أكتوبر 2019 عادية بجميع المقاييس.. فبعد زلزال الانتخابات الرئاسية، في جولتها الأولى يوم 15 سبتمبر الفارط، ها هي الانتخابات التشريعية تكشف عن تسونامي عنيف يعصف بمعظم الأحزاب التونسية.
في الواقع، وبالمنطق، كانت هذه النتائج متوقعة إلى حد ما، رغم الحملات الانتخابية الضخمة التي نفذتها بعض الأحزاب الكبرى ورغم بعض المحاولات للالتفاف على الشعب التونسي وتخديره حتى لا يعي حقيقية أوضاعه المزرية.
فشل اقتصادي ذريع إن المتابع للشأن التنموي التونسي وما تنشره كبرى المؤسسات المالية في العالم يدرك أن تونس لم تكن بخير طوال السنوات الخمس الأخيرة، إذ تكشف البيانات التنموية التي حققتها بلادنا خلال تلك الفترة عن انهيار غير مسبوق في الأداء الاقتصادي على نحو خاص. لقد انهار الناتج المحلي الإجمالي لتونس من 47 مليار دولار أمريكي في العام 2014 إلى 39 مليار دولار في العام 2018.
بل تراجع الدخل الفردي للمواطن التونسي إلى حوالي 3000 دولار أمريكي في السنة، وهو تقريبا ذات الدخل الذي حققته تونس في العام 2005. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تراجع الدينار التونسي بشكل غير مسبوق ليصل سعر الدولار الأمريكي إلى حوالي 3 دينار تونسي.
أما نسبة التضخم فقد ارتفعت بشكل مخيف أيضا لتصل إلى أكثر من 7%، وهي نسبة قد كانت كافية لتسحق فئات واسعة من المجتمع التونسي وتضعف جزء هامةمن الطبقة الوسطى في بلادنا..
وإني على ثقة تامة أننا لو طبقنا ذات المعايير التي يعتمدها البنك الدولي في قياس نسبة الفقر في بلادنا، لاكتشفنا أن هذه الظاهرة قد بلغت مستويات كارثية.
في الأثناء، أيضا، ارتفع حجم التداين الخارجي في تونس من 26 مليار دولار أمريكي في العام 2012 إلى أكثر من 34 مليار دولار أمريكي في العام 2018، أي إن نسبة التداين الخارجي في العام 2018 قد تجاوزت جميع الخطوط الحمراء لتصل إلى حوالي 90% من الناتج المحلي الإجمالي وحوالي 170% من الصادرات الخارجية للبلاد التونسية.
فشل اجتماعي ذريع أما في المجال الاجتماعي، فقد عاشت المنظومة التربوية على إيقاع أزمات متتالية وإخفاقات كثيرة جعلت المواطن التونسي يفقد الثقة في أحد أبرز المنظومات التي يهتم بها ويعطيها مكانة خاصة في حياته، إذ ولأول مرة في تاريخ البلاد التونسية منذ سنوات ارتفعت نسبة الأمية إلى حوالي 21% واستمر مئات الآلاف من التلاميذ التونسيين في مغادرة مقاعد الدراسة بشكل مبكر دون أن تنجح الحكومة في تحقيق أي تقدم في الملف التربوي.
وأسوأ من ذلك بكثير، مات عشرات الأطفال الرضع في أكثر من مستشفى تونسي دون محاسبة جادة للوبيات المسؤولة عن بعض التجاوزات الكثيرة والخطيرة في القطاع الصحي.
أضف إلى ذلك، تعددت حوادث القطارات وكثرت انقطاعات المياه والكهرباء وزادت معدلات التهريب وانتشرت في شوارع المدن التونسية بعض العصابات التي أرهبت المواطنين وزرعت الشعور بالخوف وانعدام الأمان في كل مكان تقريبا.. الديمقراطية لا ترحم الفشلة كان الإعلام التونسي وفيا إلى حد بعيد إلى مبادئ الإعلام الديمقراطي، إذ لم يتردد في كشف الحقيقة رغم قتامتها.
ففي السنوات الخمس الماضية زاد الكلام عن الفساد وبيع الذمم واختراق أجهزة الدولة والعمالة للخارج وهدر أموال الشعب المغلوب على أمره، إلى درجة أنه لم يمر يوم في تونس دون أن ترصد وسائل الإعلام التونسية عددا من التجاوزات والإخفاقات الخطيرة التي كانت تؤكد جميعها أن تونس لم تكن تسير في الطريق الصحيح. ومع تنامي دور شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، وما نتج عنه من يسرٍ في الوصول إلى المعلومات الدقيقة والتحليلات العميقة، تمكن الشعب التونسي، وبخاصة الفئات التي تهتم بالمسائل الحياتية اليومية، من بناء فهم معقول لعمق الفشل السياسي الذي كانت تونس تغط فيه..
في الختام… فشل شامل لقد فشلت الحكومات السابقة فشلا شاملا وموثقا (ومخجلا صراحة) في القيام بوظائفها الأساسية، فالتعليم ساء والصحة ساءت والدخل ساء والأمن ساء والبيئة ساءت، ومعظم القطاعات الحيوية في البلاد بلغت درجة غير مسبوقة من السوء والرداءة والانهيار. وعليه، فقد كان العقاب قاسيا جدا ومؤلما جدا..
وإني على ثقة تامة أن هذا العقاب سيكون أقسى وأعنف بكثير في السنوات القليلة القادمة إن فشلت الحكومات القادمة في تحويل طموحات الشعب التونسي إلى واقع ملموس.
لقد كشفت نتائج الانتخابات التشريعية عن حقائق كثيرة في غاية الأهمية.. ولعل أهم هذه الحقائق أن غالبية الشعب التونسي لا تؤمن ببعض الإيديولوجيات المهترئة التي ثبت أنها لا تنفع ولا تذر في تغيير الواقع التنموي.
كما أكدت هذه النتائج أن أغلبية الشعب التونسي لا تثق في معظم الأحزاب المتواجدة حاليا في الساحة السياسية، إذ اختارت هذه الأغلبية التي جاز لها التصويت عدم المشاركة في الانتخابات وعدم الإدلاء بأصواتها. وهو قرار واعٍ يدل في جوهره أن معظم الأحزاب الحالية عاجزة عن نيل ثقة النسبة الأكبر من الشعب التونسي، وبخاصة طرح بدائل مقنعة لتحقيق تطلعاته.
كما كشفت هذه النتائج أن نسبة هامة من الذين اختاروا أن يشاركوا في الانتخابات قد حاولوا البحث عن بدائل أخرى من خارج الأحزاب التقليدية، حيث لم تتجاوز النسبة التي حصل عليها الحزب الفائز بالمرتبة الأولى 19% لا غير من أصوات الناخبين والناخبات، وهو ما يعني أن 81% من الناخبين والناخبات غير راضين عن أداء الحزب الذي سيتولى تشكيل الحكومة القادمة، دون اعتبار باقي المقاطعين والمقاطعات.. وتحديات أخطر في انتظار تونس…
إن التحدي الأكبر في تونس يبقى تنمويا بالأساس. وبحسب ما نشره صندوق النقد الدولي، فإن الدخل الفردي للمواطن التونسي سيستمر في التراجع إلى حدود 2950 دولار أمريكي خلال العام المقبل 2020..
كما أن تقارير دولية كثيرة قد تحدث في الآونة الأخيرة عن أزمة مالية عالمية جديدة ستنفجر في العام 2020 بسبب الصراع الضرائبي المتنامي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.. وعليه، فعلى كل الساسة في تونس، وبخاصة من نجحوا في الوصول إلى مجلس نواب الشعب أو من سيدخلون قصر قرطاج، أن يدركوا أن التحديات التنموية التي ستواجهها تونس خلال السنوات الخمس القادمة ستكون كثيرة ومتنوعة وخطيرة..
وأملي ألا يتكرر ذات السيناريو الذي عشناه في الفترة السابقة. أملي ألا تتجه تونس نحو الأسوأ..
عماد بن عبدالله السديري
Comments