انسداد الداخل .. وفرج الخارج !
منذر بالضيافي
لم يعد خاف على المتابعين في الداخل والخارج، ان المشهد السياسي في تونس، يعيش حالة انسداد، اصبحت تنذر بإرباك وتعطيل مؤسسات الدولة، وحتى الانزلاق نحو صراع الاجهزة، ونعني هنا الامنية والحاملة للسلاح، بعد تصاعد الخلاف حول من يمتلك أحقية الاشراف عليها، وهو – و كما هو معلوم بالضرورة – من الخطر ان لا تخضع هذه الاجهزة لقيادة موحدة، والصراع في ما بينها هو مقدمة للصراع الأهلي.
تصاعد الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية، او ما اصبح يعرف بحرب الصلاحيات، أحدث قلقا وتخوفات لا في الداخل فقط ، بل ايضا في الخارج الذي ما زال يدعم الانتقال الديموقراطي – على علاته الفارقة – .
هذا المسار الذي يحظى بدعم الادارة الأمريكية الجديدة، التي الى جانب حساباتها السياسية والاستراتيجية، فان “الديمقراطية” حجر زاوية في عقيدة الحكم لديها، ويدعم كلامنا هذا تصريح السفير الأمريكي بلوم بعد لقائه أمس بالمشيشي، اذ عبر “عن دعم بلاده لتونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي قصد تعبئة الموارد المالية الضرورية، مضيفا ان الادارة الأمريكية على اتم الاستعداد لمساندة مجهودات التنمية في تونس وانجاح المسار الديمقراطي”.
كما يرفض – الخارج – المس بالاستقرار وخاصة الامني، لأنه ببساطة سيكون متضررا منه ( الهجرة الغير شرعية، الارهاب والجريمة المنظمة…)، ولعل هذا ما دفع امريكا واوروبا، الى التسريع بإيجاد تسوية سياسية في الجارة ليبيا، وقطع الطريق على تحول ليبيا، الى دولة فاشلة، تهدد الامن الاوروبي وفي البحر المتوسط وهي التي لها امتداد في الساحل الافريقي.
لعل هذا ما يفسر الجولة المكوكية – و المتجددة في زمن قياسي – لسفراء امريكا والاتحاد الاوروبي و ألمانيا و فرنسا البلد الذي تربطه بتونس علاقات وروابط تاريخية وثقافية وجيو ستراتيجية ، الذين تنقلوا تباعا يومي أمس واليوم الى قصر الحكم بالقصبة.
تنقل سفراء الدول الكبرى والتجمعات الدولية البارزة، حيث زاروا رئيس الحكومة هشام المشيشي، في اقل من يومين، وفي تزامن لافت وضمن سياق وطني سمته الأساسية لا تصاعد الأزمة السياسية فقط بل استعصائها ايضا، و التي أصبحت تهدد سياسات و مصالح هذه الدول في تونس وفي المنطقة.
كما تسبق زيارات السفراء تنقل مهم، ولا نبالغ بكونه مصيري لرئيس الحكومة هشام المشيشي، نهاية هذا الشهر لواشنطن، زيارة عنوانها الرئيسي جولة جديدة من التفاوض مع الهيئات الدولية المانحة ( صندوق نقد الدولي والبنك الدولي).
لكن لها ايضا مضامين ودلالات سياسية غير خافية، اذ ستمكن صناع القرار في عاصمة العالم ( واشنطن )، من التعرف الى السيد المشيشي، في لقاءات ترتقي لتكون اختبار سيحدد مستقبل التعامل معه، وبالتالي مستقبله في قصر القصبة.
ومثل هذا الكلام، هو في الحقيقة يبعث على الانزعاج، لكنه واقع لا يمكن نكرانه أو القفز عليه، بل أننا كنخب وأيضا كمجتمع بدد “التطبيع” معه، اذ ان أشكال و علامات التدخل الخارجي قد اخذت شكل علني، وهنا لا يكون اللوم الا على أنفسنا لا على الآخر.
وهو تدخل مرده ضعف الجبهة الداخلية وتفككها، وغياب ادنى فرص التسوية بينها، الذي ساهم في العجز عن ادارة الأزمات، ولعل طريقة معالجة وباء الكورونا، خير دليل على حالة العجز، التي أصبحت عليها ادارة وحوكمة البلاد.
كما لا يجب التغافل عن الحاجة للخارج، للخروج من المأزق المالي، الذي اصبح رهين تأشيرة من صندوق النقد الدولي، وضمان من عواصم الغرب الامريكي والاوروبي، وهي حقيقة لا يمكن القفز عنها، بخطابات شعبوية لا تسمن ولا تغني من جوع.
اما مجتمعيا، فانه وبعد عجز حكام الداخل عن الوصول الى تسوية لإدارة البلاد، وبروز مخاوف من الانزلاق نحو سيناريوهات مخيفة، فان الكثيرين اصبحوا يرون ان ” الفرج” قد يكون من وراء الحدود خاصة “الانقاذ المالي والاقتصادي”، فهل تدفع حالة الاستعصاء الداخلي نحو السيناريو اللبناني؟.
Comments