الجديد

انفلات إسرائيل .. صك أمريكي على بياض

محمد بشير ساسي

منذ قيامها عام 1948، دأبت إسرائيل عبر حكوماتها المتعاقبة على استحضار حلفاء لهم وزنهم في العلاقات الدولية، بداية من أنكلترا مرورا بفرنسا ثم ألمانيا الغربية سابقاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية “الصديق الوفي” الذي ظل لعقود ومايزال يغدق بسخاء (سياسيا وديبلوماسيا وعسكريا) من أجل الحفاظ على مقومات قوة بقاء واستمرار ذلك الكيان دون خوف وتوجّس من أعدائه الكثر في المنطقة.

وحتى تُفهم أكثر حقيقة الارتباط المصلحي الكبير بين الحليفتين ومدى تجاوز مساندة واشنطن لتل أبيب حدود مجموعة اللّوبي اليهودي في تأثيره على الكونغرس بمجلسيْ الشيوخ والنواب على حدّ سواء، يتذكر كثيرون من المهتمين بملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تصريح رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، أثناء عمله كسفير لإسرائيل في أمريكا عندما قال: أعتقد أنّ ارتباط الشعب الأميركي وإدارته بإسرائيل يفوق وزن الجالية اليهودية ونفوذها في الولايات المتحدة..

بل ثمة من المفكرين الأمريكيين على غرار (ناعوم تشومسكي) من أخضع الدّعم الأمريكي لإسرائيل للبعد “الديني النبوءاتي” الذي تتبناه قاعدة شعبية مُكونها الأعظم هم الإنجيليون من المنتمين للحزب الجمهوري وهو الحزب الأقوى في أمريكا، حيث وجدوا من خلال قراءاتهم للكتاب المقدس المحفّز التاريخي والغاية الدينية الأسمى المتمثلة في عودة المسيح عقب قيام الدولة الإسرائيلية المزعومة.

على أرض الواقع كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد تناغمت بوضوح مع نبوءات الإنجيليين منذ تسلمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض، بل تجرّأت على فعل ما لم تُنجزه الإدارات السابقة في دعم التوجهات الإسرائيلية على كافة الأصعدة فيما يتعلق بملف القدس -ابتداءً من إعلانها عاصمة لإسرائيل وافتتاح سفارة أمريكية هناك، وانتهاءً بالإعلان عن خطة السلام في الشرق الأوسط أو ما سميّت “بصفقة القرن” والتي أعلنها ترامب في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض مربّتا على كتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبحضور عدد من أكثر القساوسة الإنجيليين نفوذا.

صفقة اعتبرها مراقبون بمثابة “صكّ على بياض” كانت تنتظره إسرائيل منذ فترة طويلة للتمرّد على القرارت الدّولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وبتفاصيلها الكثيرة ونسف حل الدولتين، بل وصل الأمر إلى اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع زعيم حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، نهاية نيسان (أبريل) الماضي، على أن تبدأ عملية ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية أول تموز (يوليو) المقبل، وتشمل غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية حيث تشير تقديرات فلسطينية إلى أن الضم سيصل إلى أكثر من 30 % من مساحة الضفة المحتلة..

خطوة أحدثت اعتراضات وشروخات سياسية وديبلوماسية سواء من الجانب الفلسطيني – الأردني المعني بدرجة أولى بالصراع مع إسرائيل أو موقف الاتحاد الأوروبي الذي وصفه الضم بغير الشرعي أو حتى تحرّك مجموعة تضم 18 عضوا ديمقراطيا في مجلس الشيوخ الأمريكي عبر رسالة وجهوها إلى القادة الإسرائيليين من العواقب الوخيمة لهذا التوجه على العلاقات الثنائية والحزبية بين الحليفتين، وكذلك من باب الحرص على إسرائيل لئلا تتحوّل إلى بلد أبارتايد على المكشوف كما كانت عليه جنوب أفريقيا سابقاً.

وبالتوازي مع هذه التطورات بات الحديث جهرة في بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن حالة متنامية من الضيق والنفور المتزايدين بين النخب السياسية والفكرية من الانفلات الإسرائيلي والتي عبّر عنها ستيفن كوك، الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ضمن مقال بين أعمدة مجلة “فورين بوليسي حمل عنوان: “كيف يمكن إنهاء العلاقة الخاصة مع إسرائيل؟” يعرض فيه الحيثيات التي ينبغي أن تحمل واشنطن على التحرّك نحو “التوصل إلى توافق حان وقته للتخلص التدريجي من المساعدة” السنوية التي تقدمها لتل أبيب.

هناك أيضا من الوسط الفكري الأمريكي، قد أسمع صوته دوائر القرار أمثال البروفسور “جيمس بتراس” من خلال كتابه “سطوة إسرائيل في الولايات المتحدة”، وهو بمثابة الشهادة الحية لفضح النفوذ الإسرائيلي في بلاده ودق نواقيس الخطر بخصوص ارتباط أمريكا إلى حد كبير بمصير إسرائيل وتأثير اللّوبي اليهودي على القرار السيادي لواشنطن بجرّها نحو حروب ونزاعات جنت من وراءها العداء والكراهية في منطقة الشرق الأوسط. لكن رغم الأصوات المتمردة على امتيازات إسرائيل داخل المشهد السياسي الأمريكي، فإن الحريصين على “التحالف المقدس” لا يخشون من تراكم النفور وتنامي الاحتجاج ضد ثوابت لن تتغير ولن تسقط بتقادم الزمن وتغيّر الإدارات.

ولعل إقرار لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مشروع قانون يمنح إسرائيل ما لا يقل عن 38 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، على الرغم من الدمار الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي بسبب فيروس كورونا المرعب، فذلك يكشف سطوة إسرائيل التي بلغت حدّا مرعبا لا يدري أحد إلى أين سيصل مداها..؟ الإجابة ربما نطق بها ذات يوم أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق حتى وإن صدق وهو من الكاذبين عندما صرّح: الولايات المتحدة تحت سيطرتنا.

*- إعلامي تونسي

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP