الجديد

ايمانويل ماكرون و الباجي قايد السبسي .. دعم ام هدية ملغومة ؟

كتب: هشام الحاجي
 
طغت كلمات المدح و الاطراء، التي توجه بها امس الخميس، الرئيس الفرنسي، مانويل ماكرون، للرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، على الاحداث في تونس، و تحولت الى “سلاح ” اضافي، من اسلحة المواجهة المعلنة بين اهم مكونات السلطة، و المشهد السياسي في بلادنا.
 
كلمات الرئيس الفرنسي، التي كانت حماسية و وردت بنبرة صدق، تجاوزت المستوى البروتوكولي، لتتحول الى اشادة غير مسبوقة بالباجي قائد السبسي، وهو ما جعلها تتجاوز تحية رئيس بلد ستتولى بلاده الرئاسة الدورية للفرنكوفونية، لتتحول الى دعم معلن لسياسات الرئيس التونسي الداخلية.
 
وهذا ما يفسر تنوع التفاعل مع كلمة ساكن الإليزيه، الذي كان واضحا عند انطلاقه في الاشادة بانتصار الباجي قائد السبسي، لحقوق المرأة و للمساواة القانونية و الاعتبارية للنساء و الرجال، و في التأكيد على وجود تعارض بين ما يقوم به الرئيس التونسي و “الظلاميين “، و في حثه على “مزيد التحرك و المضي قدما الى الامام”، و في التأكيد على ان تونس شريك مهم في “غزو افريقيا”.
 
هذا الاطراء، لا يمكن في حد ذاته الا ان ينزل نزولا حسنا على الباجي قائد السبسي، خاصة و انه كان علنيا و في حضرة عدد هام الرؤساء و كبار الفاعلين في “الجماعة الفرنكفونية”، التي تبقى فضاء انتماء و تفاعل له دوره و اهميته.
 
و حين تكون تونس -من خلال مبادرة رئيس جمهوريتها – نموذجا في الانتصار للمساواة و الحقوق الاساسية للمرأة، و الانسان فان ذلك يمثل مبعث فخر لكل التونسيين المنتصرين لهذه المبادئ، و القيم و حافزا لتوظيف هذه الاشادة في الترويج لتونس في الاستثمار و السياحة و كل اشكال التفاعل الايجابي بين الشعوب و الحضارات.
 
لكن هذا الاطراء يمكن اعتباره -من حيث توقيته و خاصة المفردات الرئيسية التي تضمنها- هدية ملغومة يتعين عدم الاستبشار بها اكثر مما ينبغي . و هنا لا يجب ان ننسى ما وجده الباجي قائد السبسي، لما كان على راس الحكومة من ترحاب في قمة الثمانية، و لكن هذا الترحاب لم يتحول الي سياسات دعم مالي و اقتصادي كانت تونس في امس الحاجة اليها.
 
لا شيء يفيد ان ماكرون سيقرن هذه الاشادة بدعم اقتصادي اكبر لتونس، بل ان عدة مؤشرات تفيد العكس، انطلاقا من التضييق على حرية تنقل التونسيين، نحو فرنسا رغم ان الحق في التنقل هو من اهم الحقوق الاساسية، وصولا الى جدولة الديون علاوة على ما اضحى واضحا من الضغوط التي تمارسها فرنسا على تونس، حتى لا تنوع كثيرا في شراكاتها الاقتصادية.
 
دعوة “ماكرون ” السبسي للتحرك اكثر،  قد تفقد حركة المجتمع التونسي، من اجل التحرر و التحديث دوافعها الداخلية، لتصب الماء في “طاحونة ” المناهضين لهذه الحقوق، و الذين يحاولون الايهام، بان السعي لتكريس المساواة القانونية و الاعتبارية بين الجنسين، هو مجرد ” استجابة لإملاءات اجنبية “، علاوة على ان مفردة “غزو افريقيا” تمثل استرجاعا للمخيال الاستعماري الفرنسي، الذي لم تكن تونس شريكا فيه بل كانت من ضحاياه، و الذي لا نتصور ان لبلادنا مصلحة في ان تنخرط فيه، لأنها تعتز بالانتماء لإفريقيا، و لا تبحث الا على علاقات متكافئة مع الأفارقة.
 
في ظل سياسة المحاور  الكارثية، التي ورثناها من مرحلة الترويكا، و ايضا وصول سياسات التوافق بين النهضة و النداء، الى مرحلة الاستعصاء فان الاشارات التي تضمنها كلام ماكرون قد تتحول الى عامل احراج و تأزيم لقائد السبسي،  خاصة في مستوى العلاقات الخارجية، لان الجميع يعلم ان القوى السياسية الرئيسية، في تونس يتجاذبها محوران، و هما المحور الاماراتي- السعودي  من ناحية، و المحور القطري- التركي من جهة اخرى.
 
يذكر أن كان الباجي قائد السبسي، عرف عنه حرصه على ابعاد تونس عن الخضوع لهذا المحور او ذاك، و ذلك لا دراكه ان الخضوع سيكون مكلفا لتونس، على جميع المستويات. كما ان  كلام الرئيس الفرنسي  يفهم على انه “تحريض” على حركة النهضة، و هو ما من شانه ان يزيد في توتير الاجواء الداخلية، الى جانب اذكاء  توجس الاجوار خاصة في ليبيا و الجزائر، من “شراكة تونسية -فرنسية” محتملة او مأمولة في “غزو افريقيا”.
 
هذا دون ان ننسى التفاعل المحتمل للدول الأوروبية و الاسيوية التي تخوض مع فرنسا حرب نفوذ و تموقع في افريقيا، و التي قد تصنف تونس تصنيفا يقلص من استقلاليتها و يبعدها تماما عن “عدم الانحياز”، الذي يمثل اهم مكسب من مكاسب السياسة البورقيبية، في المستوى الخارجي، و يزيد بالتالي من مصاعب بلادنا السياسية و الاقتصادية.
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP