بروفايل// سليم الرياحي .. الغامض الذي تربع على عرش نداء السبسي
كتب: هشام حاجي
هو بكل تأكيد، أحد ابرز “اكتشاف ” لما بعد 14 جانفي 2011، لم يقتحم هذه المرحلة من باب “تاريخ”، في مواجهة نظام بن علي، و لا من “خلفية ” الانتماء الى هذا النظام. لقد اقتحم الساحة السياسية بوصفه ابن رجل اضطر للعيش خارج بلاده، و تحديدا في ظل نظام الراحل معمر القذافي، الذي لا يمكن لأي تونسي، ان يتعامل معه بحياد، و هو ما كان المدخل الاول لتفاعل عموم التونسيين مع الرياحي.
فقد رأى فيه بعضهم امتدادا لتطلعات صاحب “الكتاب الاخضر”، و ايضا “ملاذا ” لمن اربك “الربيع العربي” حساباتهم، و اصاب مواقعهم في حين اعتبر اخرون انه اداة من ادوات “الثورة المضادة “، و توجسوا منه خيفة و هو الذي يملك ثروة لم يتحدد بوضوح حجمها و مصدرها، و لكنها كانت الاداة الاساسية في خوضه معركة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي تحت شعار “توة “.
شعار واضح ومعلوم، و يعني ان مطالب التونسيين يجب ان تتحقق “الان و هنا”، و بالتالي ستتحقق “زعامة ” سليم الرياحي في تلك اللحظة. و لكن اذا كان “صندوق الاقتراع” قد اصاب احلام الرياحي في العمق فان سليم سرعان ما تحامل على نفسه ليتمكن من ” استقطاب ” عدد من اعضاء المجلس الوطني و ليقاوم “مرور الصحراء ” السياسي بالتربع على عرش جمعية الشعب “النادي الافريقي”، و هو ما اعاده الى صدارة الاحداث خاصة و انه قد قلب كل المعادلات التي تحكم الحقل الرياضي، من خلال اغداق وعود لم يتحقق جلها، برغم نسق انفاق غير مسبوق.
بعدها ظل سليم الرياحي يراوح مكانه سياسيا، الى ان جاء لقاء باريس بين شيخي السياسة التونسية، الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي، في صائفة 2013 . فقد كان سليم الرياحي من بين المساهمين في ذلك اللقاء الذي نزع فتيل احتقان غير مسبوق، و وضع حجر الزاوية في “وصفة التوافق”، التي يقتات من محصولها الحزبان الكبيران الى يومنا هذا، ويرفضان الاقرار بانها قد تجاوزت مرحلة صلوحية الاستهلاك.
دون ان يحقق سليم الرياحي اختراقا سياسيا كبيرا او يحقق للنادي الافريقي ما وعد به ، لكنه مع ذلك استطاع ان يضمن لحزبه وجودا محترما في قبة باردو، عقب انتخابات اكتوبر 2014 و ان يجلب لخزينة “القلعة الحمراء و البيضاء” بطولات و كؤوسا ستحفظ له اسهاما في تاريخ جمعية غادرها مجبرا في 2017 و لكنه يمني النفس بالعودة اليها يوما ما.
في انتخابات 2014 الرئاسية انحاز سليم الرياحي بشكل واضح و فاعل لصالح الباجي قائد السبسي، و هو ما منح للاتحاد الوطني الحر حضورا في حكومة الحبيب الصيد، و جعل الرياحي حاضرا في مستوى مؤسسات السلطة، و في كواليس “المطبخ السياسي”، و حافظ على موقع في “وسط ترتيب الاحزاب السياسية “، التي لم يكن واقعها افضل من واقع حزبه، الذي جمد رئاسته له بعد تتالي القضايا التي نشرت في حقه وسلبت منه حرية السفر وهو الذي اعتاد السفر، حينها اختار أو فرض عليه “الاعتكاف السياسي” و التواري خلف الاضواء، و تسليم مقاليد “الاتحاد الوطني الحر” الى سميرة الشواشي، التي حافظت على الامانة، و احسنت ادارة واحدة من اهم معارك سليم الرياحي السياسية، الا و هي معركة “مهادنة ” يوسف الشاهد، الى حين “الانقلاب” عليه، و التحول الى رقم مهم في معسكر غريمه الأول حافظ قائد السبسي.
قد يبدو سليم الرياحي خاسرا من هذا “الانقلاب في الموقف”، الذي كلفه التضحية بحزبه، لكن ما قد “يغنمه ” اكبر وأهم بكثير، بعد أن تحول الى الرجل الأول في حزب الرئيس الباجي قايد السبسي. وبهذا عاد الرجل للأضواء من الباب الكبير، و قد يكون أيضا تحرر تماما من وطأة الملفات القضائية، و “تربع ” على عرش حزب يبقى رغم ما اصابه من وهن اكبر و اشد اهمية من الاتحاد الوطني الحر، علاوة على انه قد اصبح من الناحية النفسية و السياسية الابن البار للباجي قائد السبسي خلفا للابن “العاق ” يوسف الشاهد.
نستطيع القول، بأن صفحة جديدة تفتح في مسيرة سليم الرياحي، الذي يجد نفسه في موقع لم يكن يتوقعه، منعرج قد يمكنه اذا ما احسن التعامل معه من ان يكون رقما اساسيا في المعادلة السياسية التونسية. و لا شك ان سليم الرياحي الذي يعود من تحت ركام “الملفات القضائية”، و الذي يسود علاقته بالنادي الافريقي التباس، قد يكون مؤثرا على مسيرته في المستقبل، يدرك اكثر من غيره انه ممنوع من الفشل حاليا، لان الفشل هذه المرة قد ينهي مسيرته السياسية، و هو ما يجعله مجبرا على العمل ليكون “هداف الدقيقة التسعين “، الذي يقلب كل المعطيات لفائدته في “الوقت القاتل”.
Comments