بعد استعجال عرضه على البرلمان .. هل الحل في قانون لمكافحة الارهاب ؟
كتب: منذر بالضيافي
قرر مكتب مجلس نواب الشعب تعديل جدول أعمال الجلسة العامة المنعقدة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس 8 و9 و10 جانفي 2019 بإضافة النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. وهو ما يعيد براي الجدل حول أية استراتيجية لمحاربة الارهاب في تونس، خصوصا بعد تزايد الخطر الارهابي، وهي استراتيجية عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن وضعها وفق تصور شامل لمقاومة الظاهرة الارهابية، التي اصبحت ظاهرة عبرة للحدود، والمفارقة تبقى كيف نمنع تحول الحرب على الارهاب الى “لعنة” على مسار الحريات والديمقراطية، مثلما حصب قبل الثورة.
مثلما حصل جدل حول تعريف الارهاب، فان هناك جدل مماثل في تونس، حول أية استراتيجية “مثلى” لمحاربة الارهاب. لكن تواتر العمليات الارهابية، وارتفاع التكلفة في الخسائر وتحديدا في الأمنيين والجنود، عجل بحصول ما يشبه الاجماع، على تبني “استراتيجية” للتصدي للإرهاب.
وان كانت ما تزال تطغي عليها الضبابية، وسط وجود أكثر من تأويل وأكثر من قراءة لما هو مقترح، خاصة في ما يتعلق بإعطاء الأولية للبعد الأمني واستدعاء قانون للإرهاب يهدد ما تحقق من مكاسب، اذ قد يصل حد تقويض الاصلاحات القانونية والدستورية التي تحققت بعد الثورة. هذا بالإضافة الى أن “الوصفة” المقترحة، ببعديها “الأمني” و “القانوني”، هي ذاتها التي كانت معتمدة من قبل نظام ما قبل الثورة، والتي كانت محل معارضة كبيرة داخل تونس وخارجها.
توجد انتقادات ل “مشروع” استراتيجية معالجة ظاهرة الإرهاب، التي يرى فيها البعض أنها تقتصر أساس على إجراءات أمنية، قد تؤدي ل “تغول” المؤسسة الأمنية، وأنها تقوم على إعطاء دور كبير للجانب القانوني في بعده الزجري، مثلما ورد في كل مشاريع قانون الإرهاب. و بهذا فان “الإستراتيجية” الحالية، تهمل التركيز على العوامل المساعدة على ظهور الإرهاب وانتشاره، وضرورة التصدي للصور النمطية، وتعزيز الحوار بين الأديان والحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، ودورهما في مكافحة التطرف والإرهاب. والتربية على الوقاية من الإرهاب والتصدي له، ودور المؤسسات الدولية المختصة في الحد من ظواهر التعصب والعنصرية والتطرف والإرهاب.
إلى جانب عدم التفاعل، مع ما جاء في إستراتيجية الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب. التي يقع مراجعتها كل سنتين. والتي تقر برفض الإرهاب في كل أشكال، ومظاهره أيا كان مصدره وآيا كانت أهدافه ودوافعه. كما تشمل هذه الإستراتيجية نحو خمسين إجراءا لمواجهة الأسباب التي يمكن أن تكون وراء انتشاره، وتعزيز قدرات وإمكانيات الدول وقدرات الامم المتحدة لمكافحته، الى جانب ضمان حماية حقوق الإنسان، ودولة القانون. كما تشير إستراتيجية الأمم المتحدة إلى عدم ربط الإرهاب بأي دين من الأديان ولا بأية هوية أو مجتمع.
على القائمين على وضع إستراتيجية للإرهاب في بلادنا، الاستفادة من البحوث والدراسات السوسيولوجية، التي أعدت حول هذه الظاهرة. على اعتبار أن التجربة – سواء في تونس أو دوليا- أثبتت أن مكافحة الإرهاب، عبر استعمال الطريقة الأمنية قد فشلت. فأمريكا فشلت في افغانستان والعراق وتورطت في الخنادق التي فتحت فيها النار، وأجبرت في الأخير على الرجوع، للتفاوض والحوارات المباشرة وغير المباشرة، من أجل الاحتواء والاختراق. فلا يمكن القضاء على الظواهر الاجتماعية المعقدة – مثل الظاهرة الارهابية – بالأمن أو بقرار سياسي.
لقد تحولت بلادنا بعد ثورة 14 جانفي 2011 الى بلد مصدر للإرهاب بل أن أغلب الدراسات تشير الى أن “الارهابيين” التونسيين يصنفون على يمين أكثر الجماعات تشددا ومنها “داعش”. ولا زال الى اليوم قطاع كبير من الشباب التونسي، يشعر بالتهميش وبالتالي ضعف الانتماء للوطن، ويري أن الوطن لا يمثله، والحكومة لا تمثله والطبقة السياسية لا تمثله، وأنهم استأثروا بالحكم، وبالثروة، وهذا ما دفع أعداد كبيرة منهم إلى أن يتحولوا لفريسة سهلة الاصطياد من قبل الجماعات المتطرفة. وهذا ما يجب التفطن إليه، وجعله أولوية في استراتيجة الحرب على الإرهاب. على اعتبار وأنه يمثل مصدرا أساسيا يفسر شعور هؤلاء الشباب بالإقصاء والتهميش، ما يدفعهم نحو الحقد على المجتمع، هذا الشعور الذي يتحول لاحقا، إلى محفز يشجع على العنف والإرهاب.
Comments