الجديد

بعد اعتقال قيادي في المعارضة .. السلطات التركية تحذر من تصاعد الاحتجاجات .. و أردوغان يختار التصعيد

تشير التطورات الأخيرة في المشهد التركي إلى أن أردوغان قد تخلّى نهائيًا عن نهج “العصا والجزرة” الذي كان يستخدمه سابقًا لموازنة سياسته، ليعتمد الآن على” العصا فقط في مواجهة معارضيه، سواء داخل تركيا أو خارجها، مما ينذر بمزيد من التوتراتالسياسية و الاجتماعية  في المرحلة المقبلة.

أنقرة، 21 مارس 2025 (رويترز) – وكالات- حذرت الحكومة التركية يوم الجمعة من دعوات “غير قانونية” من المعارضة الرئيسية لتنظيم احتجاجات في الشوارع احتجاجًا على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بعد تظاهر الآلاف في جميع أنحاء البلاد خلال اليومين الماضيين. وصرح وزير الداخلية، علي يرلي كايا، بأن 53 شخصًا اعتُقلوا وأصيب 16 شرطيًا في احتجاجات بدأت في حرم الجامعات ومقر بلدية إسطنبول وأماكن أخرى يوم الخميس، مما أدى إلى اشتباكات متفرقة.

أُلقي القبض على إمام أوغلو، المنافس السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، والذي يتقدم عليه في بعض استطلاعات الرأي، يوم الأربعاء، ويواجه تهمًا تشمل الفساد ومساعدة جماعة إرهابية. وأدان حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي الذي ينتمي إليه رئيس البلدية، هذه الخطوة ووصفها بأنها ذات دوافع سياسية، وحثّ الناس على التظاهر بشكل قانوني، بينما انتقد زعماء أوروبيون الاعتقال ووصفوه بأنه تراجع عن الديمقراطية. انتقد يرليكايا ووزير العدل يلماز تونج دعوات زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، للتحرك، ووصفاها بأنها “غير مسؤولة” في ظل حظر التجمعات العامة لمدة أربعة أيام.

وقال تونج على في وقت مبكر من صباح الجمعة: “التجمع والتظاهر احتجاجًا حقان أساسيان. لكن الدعوة إلى النزول إلى الشوارع بسبب تحقيق قانوني جارٍ أمر غير قانوني وغير مقبول”. وأكد تونج أن قاعة المحكمة هي المكان المناسب للرد على أي إجراء قانوني، ودعا إلى الهدوء، مضيفًا أن “القضاء المستقل والنزيه” يُقيّم القضية.

وحذر من ربط أردوغان باعتقال إمام أوغلو. اندلعت مظاهرات يوم الخميس في أنقرة وإزمير وإسطنبول، بالإضافة إلى محافظات أخرى في جميع أنحاء البلاد، حيث نصبت الشرطة حواجز في عدة شوارع رئيسية. “مسرحية” رفض أردوغان انتقادات المعارضة ووصفها بأنها “مسرحية” و”شعارات” تُصرف الانتباه عن أخطائها الداخلية. وفي كلمته خلال التجمع الرئيسي في إسطنبول مساء الخميس، ردّ أوزيل، من حزب الشعب الجمهوري، قائلاً: “يا أردوغان، أنت أكثر ما يخيفك من الشوارع. نحن الآن في الشوارع، في الساحات. استمر في خوفك”.

قال أمام آلاف من أنصاره: “ما دمتم تحتجزون من انتخبناه، فلن نبقى في منازلنا”. وأضاف: “سيد طيب، أنت خائف وتسأل: هل تدعو الناس إلى الشوارع؟ هل تدعو الناس إلى الساحات؟ نعم. أنا لم أملأ هذه الساحات أو هذه الشوارع، بل أنتم من فعلتم”.

منذ اعتقال إمام أوغلو، دعا العديد من أنصاره إلى تحرك أكثر جدية وتنظيمًا من حزب الشعب الجمهوري، مما جعل دعوة أوزيل تصعيدًا كبيرًا للضغط على الحكومة.

أردوغان يتخلى عن سياسة “العصا والجزرة” ويتبنى نهجًا أكثر تشددًا

تخلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نهج “العصا والجزرة”، متجهاً نحو سياسة أكثر تشددًا، كما يظهر في اعتقال أكرم إمام أوغلو وقمع المعارضة، بالتزامن مع تصعيد أمني ضد الأكراد. وعلى الصعيد الإقليمي، عزز نفوذه في سوريا بعد سقوط الأسد، بينما يواجه على الجبهة الداخلية تحدّيات سياسية واقتصادية متزايدة.

تشهد تركيا تحولًا ملحوظًا في نهج الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تخلى عن استراتيجيته السابقة التي كانت تجمع بين الضغوط والتنازلات، متجهاً نحو سياسة صارمة ترتكز على القمع السياسي والتشدد الأمني.

يظهر هذا التوجه بشكل واضح في حملة القمع الأخيرة ضد المعارضة، حيث تم اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم امام أوغلو ، أحد أبرز الشخصيات المعارضة، بتهم تتعلق بالفساد والتعاون مع من تصفهم الحكومة بالإرهابيين.

تعتبر هذه الخطوة تصعيدًا كبيرًا ضد المعارضة، التي وصفتها ب “الانقلاب السياسي” الهادف إلى إقصاء إمام أوغلو عن السباق الانتخابي المقبل، كمرشحٍ قويٍ محتمل، وخصم لا يُستهان بعد أن كادت الساحة تخلو من كل ما من شأنه أن يهدد حكم الرئيس أردوغان .

وقد أثار هذا الاعتقال موجة من الاحتجاجات الداخلية والتنديدات الدولية، حيث يرى أنصاره أن القضية ذات دوافع سياسية تهدف إلى تحييده عن المشهد السياسي ، خاصة بعد أن ازدادت شعبيته عقب نجاحه في إدارة بلدية إسطنبول وتقديمه نفسه كبديل قوي لأردوغان.

ومن المرجح أن يؤدي هذا التصعيد إلى تعزيز مكانة إمام أوغلو كرمز للمعارضة، مما قد يزيد من التحديات أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم.

الأكراد وسياسة اليد الممدودة

بالتزامن مع ذلك، تواصل الحكومة التركية التعامل مع الملف الكردي بقبضة من حديد . إذ رغم إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن استعداده لنزع السلاح كخطوة نحو تحقيق السلام، فإن أردوغان لم يُبدِ اهتمامًا بهذه المبادرة، مما يعكس غياب أي نية رسمية لحل الصراع سياسيًا.

وأكد حزب الشعوب الديمقراطي   (DEM) المؤيد للأكراد أن الحكومة لم تقدم أي خطوات ملموسة نحو المصالحة، ما يعكس استمرار السياسة الأمنية المتشددة.

تركيا وسقوط الأسد

وبموازاة هذه الأحداث، كسب أردوغان في الأحداث الإقليمية الأخيرة وصول حلفاء له إلى السلطة في سوريا الجارة، بعد سنوات طويلة من الدعم الذي قدمه للمعارضة المسلحة في هذا البلد، وبعد أن بدا الخيار التركي هناك على وشك الأفول العام الماضي، وتحوّل الضغوط من دمشق نحو أنقرة، مع انفتاح الحكومات العربية في الخليج على إعادة فتح سفاراتها لدى نظام بشار الأسد.

لكن سرعان ما انقلبت الصورة تماما في لحظةٍ إقليمية استثنائية، إذ دعم أردوغان زخماً جديداً تمخّض عن إسقاط نظام الأسد ودخول الجماعات المسلحة إلى دمشق بقيادة أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام. بعدها أصبح أحمد الشرع (أو الجولاني سابقا) الرئيس الانتقالي للسلطة الجديدة في سوريا والتي تبدو في اتجاه سياستها الخارجية متناغمةً بوضوح مع سياسات أردوغان.

وعلى الرغم من ذلك، بقي الوضع الداخلي التركي   متوتراً على خلفية حالة الاستقطاب السياسي المتزايد، وعدم استقرار المؤشرات الاقتصادية، والتراجع المستمر لليرة التركية في الأسواق. لتأتي حملة أردوغان على المعارضة فتفجر استقرارا هشاً شهدته البلاد في الأسابيع الأخيرة.

وعلى الصعيد الدولي، يبدو أن أردوغان يستمد مزيدًا من الجرأة من دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن التحولات الأخيرة في الملف السوري، حيث عزز النفوذَ التركي هناك على حساب الأكراد بعد انسحاب القوات الأميركية من بعض المناطق. هذه العوامل مجتمعة جعلت أردوغان أكثر ثقة في فرض أجندته داخليًا وخارجيًا دون الحاجة إلى تقديم تنازلات.

وتشير هذه التطورات إلى أن أردوغان قد تخلّى نهائيًا عن نهج “العصا والجزرة” الذي كان يستخدمه سابقًا لموازنة سياسته، ليعتمد الآن على” العصا فقط في مواجهة معارضيه، سواء داخل تركيا أو خارجها، مما ينذر بمزيد من التوترات السياسية و الاجتماعية  في المرحلة المقبلة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP