الجديد

بعد اقرار تعديلات القانون الانتخابي.. أية تداعيات على مصير "الانتقال الديمقراطي" ؟

هشام الحاجي
يمكن القول دون خشية الوقوع في فخ المبالغة او التسرع ان التنقيحات التي ادخلها مجلس نواب الشعب منذ قليل على القانون الانتخابي تمثل منعطفا سياسيا في تونس ما بعد 14 جانفي 2011 لا يقل اهمية عن المصادقة على دستور الجمهورية الثانية و رفض قانون العزل السياسي  ذلك انه من الصعب عزل هذه التنقيحات عن النظر الى “خصوصية الاستثناء التونسي ” من الداخل و ايضا من الخارج الذي لا يمكن انكار دوره في تعهد “الاستثناء التونسي ” و حمايته و دعمه .
قد تكون المبررات التي قدمت لتفسير اسباب ادراج هذه التنقيحات مقبولة في المطلق باعتبارها “تحصينا ” للتجربة الديمقراطية من خلط بين المجالات قد يبعدها عن مسارها و يمكن ايضا ابداء تحفظات حول الانزياح المتعمد لبعض الشخصيات و الجمعيات من المجال الاجتماعي الخيري الى المجال السياسي و لكن من الصعب قراءة التنقيحات من هذه الزاوية “الطهورية”  فقط لأنها تتنزل في سياق سياسي متمحور حول الانتخابات الرئاسية و التشريعية.
سياق من اهم ملامحه ما ابرزته استطلاعات الراي من تقدم لافت للشخصيات التي “تضررت” من هذه التنقيحات و تزامن هذا التقدم مع تراجع شعبية الاحزاب الحاكمة . و ما دامت التنقيحات قد اصبحت في حكم الواقع فان تداعياتها على المشهد السياسي أصبحت في تحصيل الحاصل.
من بين هذه التداعيات الممكنة معرفة موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الذي يمثل الى جانب اللجوء للقضاء الملاذ الاخير لمعرفة مصير تعديلات اليوم.
وان كان يصعب ان يرفض الباجي قائد السبسي الامضاء على القانون لان رئاسة الجمهورية هي التي كانت وراء تقديم المشروع الاصلي للتنقيحات الذي استغلته احزاب الائتلاف الحاكم لتضيف فصولا جديدة قد لا تنال موافقة رئيس الجمهورية. لكن مع ذلك يبقى الجميع في انتظار موقف ساكن قرطاج والسياسة في أكثر تعريفاتها تداولا هي “فن الممكن” بامتياز.
اما التوجه للقضاء فقد يستغرق وقتا يجعل قراراته مهما كانت مضامينها غير مجدية خاصة و ان السياق الانتخابي سينطلق بعد اسابيع .
و لكن اهمية التعديلات تكمن الى جانب الجدل الذي اثارته و الذي سيتواصل بكل تأكيد مدة اخرى في انعكاساتها على المشهد السياسي و على الانتخابات الرئاسية و التشريعية . و عديدة هي الاحتمالات في توقع طبيعة هذه الانعكاسات التي ترتبط طبيعتها بكيفية تعاطي اهم الفاعلين السياسيين معها .
يمكن الانطلاق في وضع التوقعات من معرفة الكيفية التي سيتعاطى من خلالها الفاعلين الذين تم  قطع طريق قصر قرطاج في وجوههم .
عبير موسي تقود حزبا سياسيا صاعدا و لا شك انها ستوظف اقصاءها من السباق الرئاسي كورقة اضافية في خطابها المناهض لمنظومة ما بعد 14 جانفي 2011 و ذلك من اجل الحصول على حضور في البرلمان يجعلها رقما “معطلا” للتحالف الحكومي الذي يمكن ان ينبثق عن الانتخابات التشريعية القادمة .
اما نبيل القروي و الفة التراس فانهما لا يملكان احزابا و لكن لديهما الى جانب الطموح الشخصي شبكة من العلاقات عبر انحاء الجمهورية  و “قاعدة كامنة ” من الناخبين المحتملين الذين يمكن التوجه اليهم في قائمات مستقلة من اجل وضع موقع قدم في مجلس نواب الشعب من شانه ان يمنحهما ضمانات في المستقبل.
و هذا الاحتمال يضعنا امام الموقف الذي يمكن ان تتخذه احزاب الائتلاف الحكومي التي لم تتضح بعد كيفية تعاطيها مع الانتخابات التشريعية و الرئاسية , هذه الاحزاب تقلصت شعبيتها و هو ما جعلها تتجه نحو التحالفات و ان كان ذلك في مسارات متناقضة .
فقد تتفق حركة “النهضة” و حركة “تحيا تونس” على التنسيق في الانتخابات الرئاسية و لكنه من الصعوبة بمكان ان تتحالف الحركتان في الانتخابات التشريعية و هو ما يدفع بكل تأكيد حركة “تحيا تونس” للتفكير بطريقة اخرى في الانتخابات التشريعية .
هذه الطريقة تفرضها حداثة تأسيس الحركة و ايضا عدم تمكنها لحد الان من القيام بعملية استقطاب واسعة شبيهة لتلك التي عرفها “نداء تونس” في الانتخابات الرئاسية و التشريعية السابقة و هو ما يجعلها تبحث عن التحالفات .
مسار التحالفات يتحرك ببطء و لا يخلو من حسابات ذاتية يرتبط بعضها بالشخصية التي سيتم تقديمها لخوض غمار الانتخابات الرئاسية .
ولا شك ان التنقيحات التي ادخلت اليوم على القانون الانتخابي ستكون عاملا مؤثرا في هذا الاتجاه . ذلك ان الشخصيات الوسطية التي لن تساند يوسف الشاهد و تقرر منافسته يمكنها ان تستفيد من “تحويل الكتلة الانتخابية ” المفترضة لنبيل القروي و الفة التراس و عبير موسي لفائدتها و هو ما يمثل عاملا قد يغير التوقعات الانتخابية و يقود الى قصر قرطاج شخصية غير بارزة حاليا في مرآة استطلاعات الراي.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP