بعد التفويض: ادارة الأزمة .. مسؤولية الحكومة
منذر بالضيافي
مثلما كان متوقعا، فان مجلس نواب الشعب، منح اليوم السبت 4 أفريل 2020 حكومة الياس الفخفاخ، “تفويض كامل”، لإدارة الأزمة الناجمة عن تداعيات وباء كورونا فيروس، ونقصد بالتفويض الكامل النسبة المرتفعة للتصويت ب “نعم” لصالح مشروع القانون، التي وصلت 178 صوتا، بفارق شاسع عن نسبة التصويت على الحكومة نهاية فيفري الماضي، لتجد حكومة الفخفاخ، وبطلب منها تتحمل المسؤولة الأولى، عن “الحرب” على “كوفيد 19″، وليكون رئيسها وبطلب منه أيضا، المسؤول الأول عن قيادة هذه الحرب، وبهذا سيكون الفخفاخ وحكومته في قادم الأيام، وخاصة بعد انتهاء الأزمة، جالس على كرسي المحاسبة، وأمام مصير سيحدد مستقبله السياسي، في حالة الفشل – لا قدر الله – فانه “الموت السياسي”، وفي حالة الخروج الامن، فسيكون على طريق “المجد السياسي”، بل أكثر من ذلك على طريق التحول لزعيم وطني.
بعد جدل، وأخذ ورد تمكن كل من مجلس نواب الشعب وحكومة الفخفاخ من الوصول الى “توافق”، حول مشروع القانون الخاص بالتفويض للحكومة، وفق مقتضيات الفصل 70 من الدستور، وذلك لمدة شهرين. وبرغم حالة التجاذب بين الحكومة والبرلمان، والتي تعود الى المناخ السياسي العام في البلاد، الذي تغلب عليه “أزمة الثقة”، بين مؤسسات الحكم (الرئاسات الثلاث) وحتى بين الفاعلين السياسيين، ونعني هنا بالخصوص الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية، والتي على رئيس الحكومة وبعد أن تحول الى “قائد السفينة” في زمن الحرب، أن يسعى جاهدا للتقليل من تداعياتها، عبر التعالي عن “العنتريات” (“الشعبوية” و “الثورجية”) التي طبعت الحياة السياسية والبرلمانية في بلادنا، منذ نتائج الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية الأخيرة، وهو شرط اساسي لتحقيق “الوحدة الوطنية”، التي لا يمكن دونها كسب الحرب على الكورونا، التي هي حرب تتعلق بمستقبل وجود “الأمة التونسية” و “الدولة التونسية”.
هناك في الواقع الحالي مؤشرات ايجابية، يمكن أن تجعل التونسيين مطمئنين ، ويمكن بالتالي البناء عليها لتحقيق “الوحدة الوطنية”، التي ستكون – كما أشرنا – الشرط الأول والأساسي لكسب الحرب أولا، ولإعداد البلاد لمرحلة ما بعد الكورونا ثانيا، وهي في تقديري لا تقل اهمية عن كسب الحرب، والتي تنحصر في ايقاف انتشار الوباء بأقل ما يمكن من الخسائر البشرية والمادية، مع ضمان استمرارية الحد الأدنى من الحياة والنشاط، بما سيساعد على الاستعداد لوضع البلاد وخاصة نسيجها المؤسساتي والاقتصادي على السكة بمجرد انقشاع سحاب الأزمة، وهو ما يحتم “ميثاق” يؤسس لعلاقة ثقة مع الفاعلين الاقتصاديين خاصة في القطاع الخاص، وذلك عبر تجاوز الخطاب المتوتر مع رجال الأعمال، الذي سيخر عملي البناء والاقلاع.
أبرز المؤشرات الايجابية، التي يمكن الاشارة اليها، تكمن في “شخصية القائد”، رئيس الحكومة الياس الفخفاخ، الذي برغم حداثة تجربته السياسية وايضا في الحكم وفي ادارة الأزمات، فان خطاباته الاتصالية الأخيرة، كانت مطمئنة حيث أظهر الرجل ارادة وقوة شخصية، في فهم واستيعاب الملفات وشجاعة في مواجهتا ورفع التحدي، وهي كلها مواصفات تبقى في حاجة للتأكيد في الواقع، من خلال حسن ادارة الفريق الذي يشتغل معه، والاستفادة من كل الطاقات والخبرات التي تزخر بها تونس، والأهم في ترجمة هذه الارادة الى اجراءات وانجازات في الواقع، مع “صفر من الأخطاء”، لأن كل خطأ سيكون وقعه كارثي، على الأوضاع الصحية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل التعاطي الضعيف مع توزيع المنح الاجتماعية، قد يكون نقطة بداية غير موفقة، وما حصل ليس في صالح الحكومة ورئيسها، وعليهم أخذ الدروس مما حصل والعمل على تجاوز الهنات الغير مسموح بها في “زمن الحرب على الكورونا”.
ما يحسب للفخفاخ أيضا، وسيساعده على كسب رهان الحرب على الكورونا، هو شروعه، في تجسير الفجوة مع مجلس نواب الشعب، وتجاوز الخلافات وأزمة الثقة بين الطرفين، التي برزت للسطح أكثر في علاقة بالتفويض على معنى الفصل 70 من الدستور، في هذا السياق كان واضاح اليوم أمام الجلسة العامة البرلمانية، اذ أكد على أن التفويض هو مجرد “الية دستورية سنستعملها في تسريع الاجراءات و في الاستباق لغرض مجابهة الكورونا”. واضاف انه يتفهم “تخوفات النواب فنحن لازلنا في مرحلة التأسيس ..و المؤسسة التشريعية قائمة و يمكنها مراقبتنا سحب التفويض في حال خروجنا عن الغرض”.
أخيرا، وعلى خلاف البدايات، نلاحظ أن الياس الفخفاخ بدأ يظهر في هيئة وفي “جلباب” رئيس حكومة، و ترك خلفه صورة الوزير الأول، التي صاحبته منذ التكليف، في انتظار مزيد التأكيد.
Comments