بعد تأخر ختم تعديل القانون الانتخابي .. حيرة سياسية وجدل قانوني !
تونس- التونسيون
تأخر امضاء الرئيس الباجي قايد السبسي، على التعديلات المثيرة للجدل، حول القانون الانتخابي، رمى بظلاله على المشهد السياسي والانتخابي، المرتبك والغامض بطبعه، ولعل الملاحظة البارزة هنا، هو حالة الحيرة والصمت وأيضا الارتباك، التي عليها الفاعلين السياسيين، حكما ومعارضة، وكذلك حال وسائل الاعلام، التي هي بدورها في وضع انتظار وترقب، وغابت عن مضامينها الأسئلة الحقيقية، والمقاربة الجريئة لتفاعلات الأوضاع وسيناريوهاتها الممكنة، واكتفت بالمتابعة السلبية ما عمق “الغموض” وترك الأمر لكواليس السياسة التي تنشط بورصتها في هكذا وضعيات مستفيدة من غياب المعلومة ومن ما سميته ب “حيرة” الطبقة السياسية. في المقابل نجد نشاطا وحيوية في باب الجدل القانوني/ الدستوري، التي يبرز منها تباين حقيقي في المواقف وفي القراءات، حول عدم امضاء الرئيس على التعديلات، على أنه لابد من الاشارة الى أن بعض “المواقف القانونية” لم تغب عنها الخلفية السياسية.
قبل ثلاثة أيام ، من بداية تقديم القائمات الانتخابية ، للتشريعية المقررة في 6 اكتوبر القادم ، ليس هناك ما يشير الى ان البلاد مقدمة على استحقاق انتخابي هام، و على رهان مهم جدا مداره من سيحكم البلاد في الخماسية المقبلة ، على اعتبار وان نظامنا السياسي – الهجين – هو اقرب للبرلماني.
باستثناء صراع و “تدافع” داخل صفوف الدكاكين الحزبية حول من سيفوز برئاسة القاءمة، صراع ينذر بتفكك الكثير من الأحزاب وحتى بإرباك “الجماعة” (الحركة الإسلامية – النهضة). في الأثناء غابت البرامج والتصورات والخيارات التي ستخرج البلاد من أتون أزمة شاملة ومعقدة.
حتى الإعلام فانه انغمس في صراعات شقوق “الجماعة” وغابت عن منابره حوارات ولقاءات تصب في صميم انشغالات البلاد والعباد. ومثلما ان لكل مقدمات نتائج فلا أتوقع نتائج ترجى أو تتوقع من الانتخابات القادمة، وهي اقرب الى ان تكون مأزق منها الى فرصة، تمكننا من مغادرة الوضع الحالي المتأزم، وتفتح أمامنا آفاق ارحب، وأقدر انها – لو كتب لها الانجاز – ستعيد انتاج مشهد سياسي وخاصة برلماني أسوا من الحالي.
أحمد صواب: عدم الختم “خطأ جسيم”
بالعودة للجدل القانوني والدستوري، نجد أن من أكثر المواقف حسما تلك التي عبر عنها القاضي الاداري المتقاعد احمد صواب مساء أمس الخميس في برنامج حواري على قناة “التاسعة” أذ شدد على “ان عدم ختم القانون الإنتخابي من قبل رئيس الدولة الباجي قائد السبسي هو “خطأ جسيم يمثل خرقا واضحاً للدستور و قد يتوجب عزله من المنصب”..
و حمل صواب بشدة على تأخر رئيس الدولة في ختم القانون محذرا من سقوط الدولة في المجهول”.
جوهر بن مبارك: “لا لدكتاتورية الرئيس”
من جهته، أوضح استاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك ما ذهب اليه في تدوينة له على صفحته على “فيسبوك” مشيرا الى أنه و “بخصوص التدوينية السابقة و التأويل الذي اعتبرت فيه ان تجاوز آجال الختم يعني ان القانون يعدّ مختوما بحكم النص الدستوري اعترض البعض على ذلك بحجة ان الفصل 81 من الدستور لم ينص على ذلك صراحة اريد ان اشرح اكثر وجهة نظري:
هذا التأويل هو الوحيد الذي يحترم النص و بنية الدستور و روحه
*** أي تأويل آخر يصب في النهاية إلى إسناد رئيس الدولة اختصاصا ضمنيا خارقا و خرافيا يمكنه من الضرب عرض الحائط بكامل العملية التشريعية و تحويلها إلى عملية عبثية محكومة بارادته المنفردة.
*** كل تأويل مخالف يؤدي بدوره إلى الضرب بعرض الحائط للآجال الدستورية و إفراغها من محتواها و كأنها آجال غير ملزمة و غير ذات مفعول. فان كان الفصل 81 لا ينص صراحة على هذا التأويل فانه يفهم منه بالضرورة ذلك.
*** لكن الأكيد ان نفس الفصل لم يسند لرئيس الجمهورية صلاحية قطع العملية التشريعية و الالتفاف على الدستور برمّته و حتى على حق الردّ المقّيد بآجال و إجراءات ( التعليل و اعادة التصويت) لان أي تأويل اخر يعطي لرئيس الجمهورية حق فيتو مطلق و نهائي على أي مشروع قانون يمكنه من قبر أي قانون لا يحلو له أو لا يروق له و هذا كان موجود في أنظمة الملك المقدّس الغابرة من القرون الوسطى و لم يعد موجودا حتّى في أنظمة الاستبداد الحديثة.
*** أي تأويل آخر يفرغ مبدأ فصل السلط من مفعوله الدستوري و يجعل السلطة التشريعية تحت وصاية كاملة لرئيس الجمهورية.
ويختتم بن مبارك تدوينته قائلا: “أنا لست من أنصار التأويل العدمي الذي يوصل فقط إلى مخانق و ازقة لا مخرج منها”
أمين محفوظ: “طالما لم يختم رئيس الجمهورية هذا القانون لا يمكن أن يصبح قانونا”
كما اعتبر أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، أن تونس تعيش حاليا “لخبطة قانونية” بسبب تعديل القانون الانتخابي. مشيرا الى وجود اشكال قانوني يتعلق بختم القانون من طرف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، مفيدا بأن “الختم سيعطي صبغة شرعية للقانون “وبأنه “لم يعد بالإمكان الحديث عن مشروع قانون وانما عن قانون يتم نشره في الرائد الرسمي في ما بعد ودخوله حيز النفاذ ان تم ختمه من قبل الرئيس”.
وشدد محفوظ في تصريح لاذاعة “جوهرة” أمس الخميس 18 جويلية 2019 على وجود “اشكال جدي مطروح على المستوى القانوني بسبب تعدّد القراءات من جهة وبسبب غياب بعض المعطيات من بينها هل بعثت الهيئة لرئيس الجمهورية بمشروع هذا القانون أم لا؟ وهل تم نشره بالرائد الرسمي أم لا؟”، مشيرا إلى أن “الهيئة أصدرت قرارها بتاريخ 8 جويلية 2019 وانه كان من المفروض نشره بالرائد الرسمي في حين أن النسخة الأخيرة التي تم نشرها اليوم للرائد الرّسمي بتاريخ 16 جويلية لا تتضمّن هذا القانون”.
ولفت إلى أن الاشكال المطروح على مستوى الختم يتعلق أساسا بأن أغلب القراءات تتجه إلى الفصل 81 من الدستور (أعلى قاعدة في الدستور المنظم للختم) ، مشيرا إلى أن هذا الفصل قائم على ركيزتين هما رئيس الجمهورية والمحكمة الدستورية، معتبرا أنه في غياب هذه الاخيرة لم يدخل هذا الفصل حيز النفاذ برمته.. بسبب عدم ارساء هذه الهيئة الدستورية”.
واكد محفوظ على ان اشكال آجال الختم يرجع إلى أن الدستور لم ينص للهيئة الوقتية على نفس صلاحيات المحكمة الدستورية، قائلا “لم يحدد لها الدستور نفس الصلاحيات ولا نفس الاجراءات الموكولة للمحكمة الدستورية واكتفى بمنحها العمل طبق النص المحدث لها”
وتابع “الختم في النص المحدث تحدث عن الختم بعد 15 يوما”، متسائلا ” لو فرضنا اننا اتفقنا على ان قرار الهيئة الوقتية ملزم..فهل هو ملزم من تاريخ النشر أم من تاريخ الصدور أم من تاريخ الاحالة؟”، معتبرا أن نص الفصل “غير واضح”، مستحضرا النص المذكور ” قرارات الهيئة تصدر باسم الشعب وتنشر بالرائد الرسمي في أجل أسبوع من اصدار القرار..” ملاحظا أن الهيئة لم تطبق ما نص عليه القانون المحدث ولم تحترم هذا القرار.
وأشار إلى أنه لا أحد له معلومة رسمية بإحالة الهيئة لهذا القانون على رئيس الجمهورية، مشددا على أنه في صورة اعتماد الفصل 81 من الدستور فان آجال الختم انتهت البارحة، لافتا إلى انه بعد فوات الآجال القانونية لا يمكن أن يصبح مشروع القانون قانونا بفوات الآجال وأن الختم هو وحده الذي يعطي الصبغة القانونية للقانون الانتخابي.
وشدد على انه طالما لم يختم رئيس الجمهورية هذا القانون لا يمكن أن يصبح قانونا وهو غير موجود ولا يمكن الزام أي طرف به سواء القضاء أو هيئة الانتخابات.، معتبرا أن هذه اللخبطة ناتجة عن تلاعب بالدستور وبالأحكام الانتقالية.
Comments