بعد تشكيل حكومة بودن .. الملف السياسي “أم المعارك”
فوزي عبد الرحمان
هذا المقال ليس موجها لمن لا يؤمن بالديمقراطية كمثال حضاري للعيش المشترك، لدينا اليوم حكومة بعد مطالبة طويلة و بتأخر كبير و هذا إيجابي.
وضع الحكومة صعب و التحديات الإقتصادية و المالية و الاجتماعية كبيرة جدّا. و لا خيار اليوم إلا أن نتمنى لها النّجاح و أن نعينها بالنصيحة و الرأي، لمن يريد ذلك.
يبقى الملف السياسي و الذي هو من الصلاحيات الحصرية التي أعطاها الرئيس لنفسه و هذا الملف فيه قضايا مصيرية و هامة و تهمّ كلّ شرائح المجتمع التونسي بمختلف فئاته و أفكاره.
يقولها العديد من الصادقين و الذين لا يبحثون عن أي تموقع شخصي : لا مناص من طاولة لحوار الشجعان لتناول كل القضايا المطروحة في سبيل إرجاع البلاد إلى المسار الديمقراطي الصحيح و هي على سبيل الذكر لا الحصر :
** السلطة القضائية و سبل إستقلاليتها و تطوير المرفق القضائي (بشريا و ماديا) و إعادة النظر في النصوص المنظمة لها.
** مرسوم الأحزاب و الجمعيات و تمويلها
** إعادة تنظيم و تركيبة الهيأة المستقلة للإنتخابات.
** إعادة النظر في المراسيم المنظمة للإعلام
** إعادة تنظيم الهايكا (الاتصال السمعي البصري)
** إعادة النظر في القانون الإنتخابي
** الإعداد لإنتخابات تشريعية سابقة لأوانها و الإعلان على تاريخها
** النظر في المناخ الإجرائي للإنتخابات و الهيئات و مؤسسات الدولة المتدخلة و منها المحكمة الإدارية و محكمة المحاسبات و الهيئات الرّقابية و المجتمع المدني.
كل هذه المسائل هي قضايا للنقاش المشترك و خاصة مع كل القوى النّزيهة و البعيدة عن الشبهات و التي تدرك ما يجب أخذه و ما يحب تحسينه و ما يجب تعويضه في المنظومة السابقة.
لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة و لا سبيل لقبول حقيقة نسبية جدا لشخص مهما كان، و من المفروض ان يكون رئيس الدولة هو من يدير هذا الحوار و ينظمه و يقترح جدول أعماله و يبسط منهجيته و مخرجاته.
و لكن و مع الأسف الشديد، رئيس الدولة لا يرى ذلك و هو يرفض ان يضع نفسه و مؤسسته كمرجعية للجميع فوق الصراعات و خيمة تتسع للجميع و خاصة للفرقاء الرافضين لفكرة إعادة و إستكمال بناء العقد الإجتماعي.
رئيس الدولة وضع نفسه جزءا من الصراع في مواجهة كل الأجسام الوسيطة و هو بذلك أقصى نفسه أن يكون هذا الطّرف الرّاعي ل “حوار الشجعان”. ويبرز ان تصوّره للحوار إقصائي لكل نفس حر لا يتفق معه في تفكيره و ادائه.
و هو إقصائي لكل الأجسام الوسيطة التي تمثل الدّعامة الصلبة و الحقيقية للمنظومة الديمقراطية.
لقد اختار الرئيس تموقعا شعبويا إنفصاليا غير مدرك أن حبل الشّعبوية قصير جدّا. ونفس قصر النظر لكل المخطئين في قراءة التاريخ و المستقبل.
وهنا لابد من الاشارة الى أن مرسوم 117 مختلف عن 25 جويلية و ليس إمتدادا له كما يراد التسويق له. ان 20 جويلية هو إيقاف مسار فاسد، أما المرسوم 117 فهو الإستحواذ الكلي على السلطة و شتّان بين الحدثين.
لا يمكن أن تكون ديمقراطيا و ترفض الحوار.. الحوار مع من تتفق و مع من يخالفك.. فالديمقراطية قبل كل شيء هي البحث عن المشترك و الإبتعاد عن الإنقسام و التأزم. و الحوار هو الطريقة المثلى لتجديد و مناقشة العقد الإجتماعي المشترك.
و لكن هذا لا ينبغي أن يوقف المجتمع المدني و كل الديمقراطيين بكل أطيافهم و ممثلي المنظمات الوطنية أن يواصلوا رفضهم للأمر الواقع، و للحكم الفردي و المطالبة بحوار وطني و مدني جامع مع السلطة القائمة و حتّى خارجها إن لزم الأمر.
Comments