بعد رفع التجميد .. هل "يعود الشاهد" للشاهد ؟
منذر بالضيافي
بطلب من الرئيس الباجي قايد السبسي، خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر “نداء تونس”، أعلن اليوم رسميا عن رفع التجميد عن القيادي في الحزب، ورئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد. فأية تداعيات لهذا القرار؟ وهل سيكون مقدمة لعودة “شاهد العقل” للشاهد ؟ أم أن الرجل اختار طريقه ؟
أول ما يلفت الانتباه في طلب الرئيس السبسي واستجابة المؤتمرين، هو أن القرار جاء ليدشن مرحلة جديدة، في العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية، وقد لاحظنا في الفترة الأخيرة عدة مؤشرات، على بداية عودة “الدفء” بين الرئاستين.
يذكر أن توتر العلاقة بين قرطاج والقصبة، ساهم في ارباك المشهد السياسي وخاصة الحكومي، اذ تبين أن المرحلة الانتقالية التي توصف اصلا بكونها “هشة”، على المستويين الأمني والاقتصادي وما له من تداعيات اجتماعية، لا تحتمل صراع بين رأسي السلطة، خصوصا بعد أن تحول الى مواجهة مفتوحة بين الطرفين، خرجت للعلن عبر فيديو نشر على صفحة الرئاسة على فيسبوك، بين وجود “تلاسن” بين الرئيس السبسي ورئيس الحكومة الشاهد.
للإشارة، فان تصاعد الخلاف بين قرطاج والقصبة، جاء على خلفية “الاتهامات”، التي كان قد توجه بها رئيس الحكومة، في حوار تلفزي لنجل الرئيس والمدير التنفيذي لنداء تونس، حافظ قايد السبسي، والتي حمله فيها مسؤولية ما حدث لا في النداء فقط بل تداعياته السلبية على الأداء الحكومي.
وبذلك تطورت الخلافات لتأخذ ابعاد تشبه اللاعودة أو القطيعة، تمثلت بالخصوص في سعي الرئيس السبسي ونجله للإطاحة بالحكومة ورئيسها، وفي هذا الاطار تعددت المحاولات، لعل أبرزها انتقال نداء تونس من حزب حاكم الى حزب يتزعم المعارضة.
برز ذلك خاصة في البرلمان حيث صوتت كتلة النداء ضد منح الثقة لوزير الداخلية وأيضا للتحوير الوزاري، الذي كان بمثابة تصويت على منح الثقة لرئيس الحكومة، وبالتالي منحه “الشرعية” البرلمانية، بعد أن سبق وطالبه الرئيس السبسي بالذهاب للبرلمان.
بحسب تطورات العلاقة بين الطرفين فان جل المراقبين رأوا في دعوة الرئيس واستجابة مؤتمري النداء برفع التجميد عن الشاهد بمثابة “مناورة” و “خلط للأوراق”، خصوصا وأنه قرار لم يأتي نتيجة لمقدمات ومؤشرات سياسية من شانها تقلب العلاقة من “خصومة” الى “ود”.
بل أننا نلاحظ – وهذا راي جل المتابعين – أن رئيس الحكومة استمر في “تمرده” وفق تصور قصر قرطاج، وفي الاحتكام لتطبيق الدستور، وفق تصور القصبة، كما استمر دعم حركة النهضة صاحبة الكتلة البرلمانية الوازنة، لرئيس الحكومة ولفكرة “الاستقرار الحكومي”.
من جهته، وكما جرت العادة، اختار رئيس الحكومة الجنوح ل “الصمت”، وهو الذي اصبح محل “تودد” الجميع” بعد أن كثرت “الخطاب على الباب”، فدعوة الرئيس السبسي لرفع التجميد، تأتي أيام قليلة بعد تصريح لرئيس النهضة راشد الغنوشي، لم يستبعد فيه أن يكون الشاهد مرشح الحركة للانتخابات الرئاسية القادمة.
ومثلما السياسة تقوم على ثنائية “المصلحة” و “موازين القوى”، فان الدعوة الرئيس السبسي الشاهد ليوسف الشاهد، يبدو أنها جاءت متأخرة، خصوصا بعد أن بدأ الرجل في رسم مساره وطريقه، بعيدا عن “ولي نعمته” السابق.
يبرز ذلك من خلال تربعه على عرش كل عمليات سبر الآراء في علاقة بالأكثر حظوظا لنيل ثقة التونسيين في الاستحقاق الرئاسي القادم، هذا فضلا عن تقدم الحزب المحسوب عليه (تحيا تونس)، الذي اصبح يحتل المركز الثاني في نويا التصويت بعد حركة النهضة، وذلك أيام قليلة بعد الاعلان عن تأسيسه، وقبل ستة أشهر من الموعد الانتخابي.
يبرز بكل وضوح أن يوسف الشاهد، أصبح يمثل رقما مهما في المشهد السياسي الحالي، برغم ضعف حصيلة حكومته في المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وبرغم عدم وجود مؤشرات جدية تدل على أن الحزب المنسوب اليه سيكون له شأن في قادم الأيام، وسط ما يشسبه الاجماع من المتابعين والخبراء، على أن انطلاقة “تحيا تونس” ما تزال متعثرة.
ولعل ما يفسر عدم قبول هذه المعادلة الصعبة، التي تتمثل في تصدر عميات سبر الآراء، مقابل ضعف المنجز الحكومي وارتباك الأداء الحكومي، يفسر بأن بسيكولوجيا الناخب التونسي ميالة الى الاستقرار وبالتالي عدم المجازفة.
كما أنه ( التونسي) أيضا كثير الانتصار الى من هو في سدة الحكم، التي يرى فيها البعض أنها “نقطة قوة يوسف”، وان حظوظه سوف تتراجع في حالة خروجه من القصبة، ولعل هذا ما يبرر الاتهامات التي توجه له وللحزب المنسوب اليه، بأنه بصدد توظيف واستغلال مقدرات السلطة، وهي تخوفات يعتبرها المعارضين لرئيس الحكومة، سوف تؤثر على نتائج الاستحقاق الانتخابي.
مما تقدم، نلاحظ أن المعطيات الماثلة على الأرض، من زاوية “المصلحة” و “موازين القوى”، لا تنبأ بعودة “شاهد العقل” للشاهد، بل الأقرب أن الرجل اختار طريقه، وأنه مصمم عليه، لكن يبقى للكواليس وما خفي منها وراء “صمت القصور” و “صمت الشاهد”، ربما قول وراي اخر.
Comments