بعد قبول الرئيس سعيد: الحوار الوطني .. أقرب “للمأزق” منه “للفرصة” !
منذر بالضيافي
أكدت تقارير وتسريبات اعلامية متطابقة أن الرئيس قيس سعيد قبل اخيرا وبعد “طول تفكير” و “شروط” مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني من أجل الخروج من الأزمة الشاملة والمعقدة التي تمر بها تونس.
ويأتي قبول قيس السعيد بعد ايقاف نبيل القروي رئيس قلب تونس وهنا للاشارة فان ساكن قرطاج أكد في اكثر من مناسبة على رفض الحوار مع من وصفهم ب “الفاسدين” في اشارة لرئيس حزب قلب تونس.
كما يأتي هذا القبول ايضا بعد “تهديد” المنظمة الشغيلة بالذهاب نحو “خطة ب” لفرض مبادرته وتفعيلها، وفي هذا الاطار كان للأمين العام للمنظمة لقاءات مع سياسيين وأحزاب و منظمات ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وان كان هناك اجماعا على ضرورة جلوس الجميع من أجل التعاقد على خارطة طريق للخروج من الأزمة وعلى اعتبار أنه لا بديل عن الحوار الا العنف والذهاب بالتالي نحو الفوضى، فان قبول قيس سعيد بالحوار في اطار مبادرة اتحاد الشغل لا يعني أن الطريق اصبحت سالكة لحوار وطني، على العكس من ذلك فان هناك عقبات كثيرة ومهمة تواجه الجلوس على طاولة الحوار.
خصوصا وأن هذا الحوار انطلق مشروطا من أصحاب المبادرة ( اتحاد الشغل) الذي يرفض الجلوس مع “ائتلاف الكرامة” ( الداعم للائتلاف الحاكم وصاحب الكتلة البرلمانية الوازنة)، وكذلك من قبل الرئيس سعيد الذي اشترط اقصاء الفاسدين، ما يجعل اشرافهما علي ومخرجاته سيتم “التجريح” فيه.
فهل سيقتصر دور الرئيس هنا على اطلاق الحوار والتوجه بخطاب من جنس “خطاباته المعهودة” التي عادة ما ترد بمفردات غير مفهومة وبرسائل غامضة وهي تفرق اكثر مما تجمع ؟ أم أن الرجل سوف “يتنازل” ويقبل بأن يكون مجرد طرف من جملة أطراف عديدة، لعل أبرزها رئيس البرلمان ورئيس الحكومة وأحزاب وكتل الائتلاف الحاكم وأخيرا المنظمات الوطنية والمجتمع المدني؟
وفي هذه الحالة سيكون حضوره ومشاركته أقرب الى “التشريفاتي” و “الرمزي”، وتوكل ادارة الحوار والاشراف عليه لجهة تحكيمية أو ما اسمتها المبادرة ب “هيئة الحكماء”، وهنا يبقى السؤال عن الشخصيات التي ستكون ممثلة فيها و من سيرأسها ؟ وما هي خارطة الطريق التي ستوضع لهذا الحوار؟ وهل ستكون نتائجه ملزمة ؟ والأهم ستكون الغاية منه، هل هو الذهاب نحو حكومة انقاذ وطني أو حكومة وحدة وطنية تعوض الحكومة الحالية ؟ وهل سيقبل المشيشي والائتلاف الحاكم الحالي برحيل الحكومة ؟
للاشارة فان المبادرة الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المتعلقة بإدارة حوار وطني، تقترح ارساء هيئة حكماء تتولى الاشراف على حوار وطني يُفضي الى توافقات من أجل انقاذ البلاد، وتكليف 5 شخصيات وطنية مستلقة ضمنها.
وكان الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي صرح في لقاء مع وكالة تونس افريقيا للأنباء، إن تسمية أعضاء هيئة الحكماء يخضع الى التوافق حول مقترحات يقدمها المشاركون في الحوار الوطني.
وذكر الطبوبي، أن المبادرة تنص على أن يشمل مجال اختصاص الأعضاء الخمسة بهيئة الحكماء اختصاصات مختلفة تهم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقانون الدستوري، موضحا أن اختيار الاختصاصات المذكورة يهدف الى بلوغ توافقات بالاستناد الى توصيات علمية.
وبين أمين عام المنظمة الشغيلة، أن هذا التصور يجيز لرئيس الجمهورية، تقريب وجهات النظر من خلال الاشراف على جلسات تجمع الفرقاء المشاركين في الحوار الوطني.
وأضاف إن “قيمة المبادرة تتمثل في أن اتحاد الشغل غير معني بأي رهان انتخابي فهو لايهتم بخوض المنافسة على أية انتخابات مقبلة أو مبكرة “، نافيا أن يكون طرح هذه المبادرة في السياق الحالي محاولة لتبييض أو لتعطيل منظومة الحكم، باعتبار أن اعلانها يهدف فقط الى تحقيق التوافق حول الاصلاحات الضرورية لانقاذ تونس.
وكما يتبين، فان مبادرة الاتحاد مجرد اعلان نوايا حسنة، سيكون من الصعب تنزيلها في الواقع، وجمع الأطراف المتناقضة حد التصارع حولها، وهي التي مثلما بينا سبقت بشروط لاقصاء أطراف وازنة في المشهد السياسي والبرلماني، وتفتقد للشروط الضرورية لنجاحها.
فالحوار الحقيقي لا يمكن له ان يتجاوز أطراف مهمة في المشهد أو القفز عليها اذا ما أريد لهذا الحوار النجاح، سواء من قبل الرئيس قيس سعيد، الذي وضع “فيتو” أمام تشريك ما قال أنهم “فاسدين”، أو من قبل اصحاب المبادرة (اتحاد الشغل) الذي يرفع بدوره “فيتو” أمام “ائتلاف الكرامة”.
هذا فضلا على اتهام المبادرة بكونها تعتبر بمثابة تبييض للفريق الحاكم الحالي، وفق ما ذهبت اليه رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، صاحبة الصوت المرتفع والمتقدمة في كل نوايا التصويت.
واخيرا، فان المنظمة الشغيلة الحريصة على لعب دور في المشهد السياسي والاجتماعي الحالي سواء بنية المساعدة على تجاوز المأزق أو “اعادة التموقع”، تمر بحالة مهزوزة في بيتها الداخلي، وهي التي بدأت تخسر الكثير من رصيدها الرمزي والاعتباري، والمثقلة أيضا بمشاكلها التنظيمية في علاقة بالمؤتمر القادم، ومستقبل الممارسة الديمقراطية داخلها.
فالمشكل، أمام الحوار المنتظر ليس الحصول على “ضوء أخضر ” من قصر قرطاج، بل في “الهدف” أو “الغاية” من الحوار، الذي يجب أن يحدد مسبقا وبكل شجاعة، حتى لا نخسر المزيد من الوقت “في تقعيد العود”، كما يقال.
مما تقدم وكأننا أمام اعادة انتاج لسيناريو قرطاج 2 ( ماي 2018) زمن حكم الرئيس السابق، الذي توقف في النقطة 64 المطالبة حينها برحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وكانت نتائجه معلومة للجميع، وهي الفشل الذريع وتحول الحوار من “فرصة” لحللة المشاكل، الى “مأزق” زاد في تعفين الوضع.
Comments