الجديد

بعد قرارات  الرئيس قيس سعيد .. عزمي بشارة يكتب عن “أخطاء حركة النهضة”

عزمي بشارة

نشر المفكر الفلسطيني المقيم في قطر، والقريب من سلطات الدوحة السياسية والاعلامية، والذي عرف بدعمه للربيع العربي، ولتيار الاسلام السياسي، الذي تصدر المشهد السياسي خلال العشرية الاخيرة، نصا مطولا في صفحته على فيسبوك تحت عنوان ” اخطاء النهضة ” وذلك ايام بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، في 25 جويلية الجاري،  التي انهت وجود النهضة في الحكم، وفي ما يلي نص المقال/التدوينة:

سبق أن بينا منجزات حركة النهضة لناحية الإصلاح الفكري، التمسك بالديمقراطية، رفض الإملاء الديني القسري والتكيف مع علمانية الدولة، البراغماتية السياسية، الاستعداد لتقديم التنازلات في اللحظات التي بدا فيها الانتقال إلى الديمقراطية مهددا وغيرها. نتحدث هنا عن الأخطاء السياسية التي وقعت فيها بوصفها حزبا سياسيا ظل منذ الثورة جزءا من الائتلافات الحاكمة المتغيرة.

1/

تمسكت النهضة بالسلطة بأي ثمن، حتى حين كان يجب أن تنتقل إلى المعارضة، وحتى حين كان الطريق الوحيد هو بناء تحالفات انتهازية ليس فقط في نظر الجمهور الواسع بل أيضا في نظر قواعدها الاجتماعية.

2/

كان الثمن الموضوعي للتحالف مع نداء تونس المساومة على العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد.

3/

كان على النهضة ونداء تونس واجب انتخاب محكمة دستورية، فهي ضرورة ماسة في نظام رئاسي/برلماني مختلط. ولكنهما لم يقوما بهذا الواجب، كانت النهضة عموما تشك بالقانونيين والنخب العلمانية، وتخشى تكرار تجربة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.

4/

كان عليهما تغيير طريقة الانتخابات بوضع عتبة انتخابية ووضع قانون يمنع السياحة الحزبية وتشويه صورة الأحزاب. ولكن استمرار طريقة الانتخابات القائمة أسهم إسهاما أساسيا في تعطيله.

5/

ركزت النهضة هجومها في الانتخابات الأخيرة على نبيل القروي إلى درجة شيطنته، وكان المستفيد الوحيد هو المرشح المنافس سعيد الذي لم تنطق ضده بكلمة نقد واحدة، وهو الفاقد لأي برنامج والذي يصرح علنا بمواقف مناهضة للدستور والنظام البرلماني. والأنكى والأمرّ أنها ما لبثت أن تحالفت مع من شيطنته، فبدت بذلك جزءا من نظام حزبي فاسد لا تهمه المبادئ والقيم بقدر ما تهمه السلطة ومنافعها. خسرت النهضة بذلك مرة أخرى جمهورا سبق ان أيدها، ولكنها لم تكسب جمهور القروي. وفقدت تبريرات النهضة فاعليتها هذه المرة. التحالف مع السبسي (الذي لم يكن بحاجة للتحالف مع النهضة إذ كان بوسعه تشكيل ائتلاف أغلبية في البرلمان من دونها) كان لإنقاذ الانتقال الديمقراطي، فما هو تبرير التحالف مع قلب تونس؟ البقاء في السلطة.

6/

سبق أن تحالفت النهضة مع يوسف الشاهد ضد حزبه وضد من عينه (السبسي) ومع ذلك لم تكسبه حليفا لها، فهو سياسي وصولي لا غير، فاستفاد منها ولم تستفد منه. وحاولت أن تكرر ذلك مع المشيشي، المكلف المجهول الذي أتى به الرئيس، والذي “عصى” من عينه وحاول أن يجعل منه مجرد وزير أول في نظام رئاسي، فأدت المحاولة إلى أزمة شلت الدولة طوال عام كامل. حكومة مدعومة من النهضة غير قادرة على العمل، رئيس يفعل كل شيء لشل حكومة قامت عكس مشيئته، وبرلمان مشغول بالمناكفات والمشاكسات كما تبدو صورته.

7/

لم تكن أجندة سعيد ضد النهضة التي دعمته في الجولة الثانية من الانتخابات، فليست هذه معركته الأساسية، بل كانت معركته ضد البرلمان لصالح نظام رئاسي فردي، ولكن سهل عليه تصوير المعركة على أنها معركة ضد الأحزاب والنخب السياسية عموما (وهذا جوهر الخطاب الشعبوي)، أما التركيز على النهضة فيسهل استقطاب فئات واسعة لديها موقف متأصل ضد النهضة، وإن كانت غير متعاطفة مع شعبوية الرئيس وتفضل الفرنسية الفصحى على لغته.

8/

الغريب أن النهضة تفاجأت من وجود أجندة مناهضة للنظام البرلماني لدى سعيد، مع أنها كانت معلنة، والغريب أيضا أنها لم تتمكن من التعامل مع شعبوية سعيد التي لم تتجاهلها فحسب في الانتخابات، بل تعاطفت معها.

9/

حين تصدت النهضة لخوض المعركة مع سعيد، لم تدرك مدى سوء صورة البرلمان في الشارع التونسي (هيئة من دون فاعلية في حل قضايا الشعب ومكان للمناكفات والتهريج، وأصحاب المصالح الفردية المتنقلين من حزب إلى آخر)، وكم تدهور وضعها في الشارع. وظهرت النهضة وكأنها تمثل صورة الأحزاب المتردية كلها حين أصرت على رئاسة البرلمان، والإصرار على أن يكون رئيس الحركة (وليس غيره) هو رئيس البرلمان، وقيادة ائتلاف يدعم حكومة معطلة. ولو كانت في المعارضة لكانت في وضع أسلم بكثير، ولو بقي رئيس الحركة خارج هذه المعمعة لكان أفضل له وللحركة.

10/

ارتكبت الأحزاب الكبيرة الأخرى أخطاء أكثر فداحة بالتأكيد، ولكن النهضة كانت الحزب الثابت في الخارطة التونسية منذ الثورة، والأكثر تواجدا في السلطة، وإليه وجهت سهام الخطاب الشعبوي.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP